من أجل إعلاء كلمة الله: ﴿وَقَٰتِلُوهُمۡ
حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتۡنَةٞ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِۚ﴾ [الأنفال: 39].
ذكر ابن القيِّم رحمه الله أن الجهاد مَرَّ بمراحل:
المرحلة الأولى: كان منهيًّا عنه فيها، وهذا يوم كان النَّبي صلى الله
عليه وسلم والمُسْلمون بمكة، فكانوا مأمورين بكفِّ الأيدي وإقام الصَّلاة وإيتاء
الزكاة ﴿أَلَمۡ
تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمۡ كُفُّوٓاْ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ
وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ﴾ [النساء: 77]؛ فالمنع لأن
المُسْلمين لا يستطيعون وليس لهم دولة ولا قوة، وكان الله يأمر نبيه بالصبر والصفح
والانتظار، إلى أن يأتي الفرج، ومن قاتل في هذه المرحلة فإنه يكون قد عصى الله
ورسوله؛ لأنه يترتب على القتال في هذه المرحلة الإضرار بالمُسْلمين وبالدعوة،
وتسلط الكفَّار على المُسْلمين.
المرحلة الثانية: لما هاجر النَّبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقامت
دولة الإسلام، أُذن له بالقتال ولم يؤمر ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ
بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصۡرِهِمۡ لَقَدِيرٌ ٣٩ ٱلَّذِينَ أُخۡرِجُواْ مِن
دِيَٰرِهِم بِغَيۡرِ حَقٍّ إِلَّآ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُۗ وَلَوۡلَا
دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّهُدِّمَتۡ صَوَٰمِعُ وَبِيَعٞ
وَصَلَوَٰتٞ وَمَسَٰجِدُ يُذۡكَرُ فِيهَا ٱسۡمُ ٱللَّهِ كَثِيرٗاۗ وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ
مَن يَنصُرُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ٤٠﴾ [الحج: 39، 40]؛ فأُذن لهم بدون أمر، فكانت هذه تَهْيِئة
لهم، فالأمور الشاقة يشرعها الله شيئًا فشيئًا؛ من أجل التسهيل على النفوس.
المرحلة الثالثة: أُمر بقتال من قاتل، والكف عمن لم يقاتل ﴿وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ﴾ [البقرة: 190] وهذا يسمى قتال الدفع.