فأما استحباب
تركه لمصلحة المخالفة إذا لم يكن في تركه ضرر، فظاهر لما تقدم من المخالفة.
وهذا قد تُوجب
الشَّريعة مخالفتهم فيه، وقد توجب عليهم مخالفتنا، كما في الزيّ ونحوه.
وقد يُقتصر على
الاستحباب، كما في صَبْغِ اللِّحية، والصّلاة في النعلين والسجود.
****
يعني: إن كان في فعله ضرر، تركناه من
أجل المخالفة لهم؛ لأنه من مفردات المخالفة.
قوله: «توجب الشريعة
علينا مخالفتهم فيه، وقد توجب عليهم مخالفتنا» لأجل أن يتميّزوا عنّا
بأشياء مما نشترك وإياهم فيها، كالملابس وركوب الدّواب وتغطية شعر الرأس، وما أشبه
ذلك: لِيُعْرَف أهل الذمة من غيرهم.
هذه أمور تستحب
مخالفتهم فيها، مثل صبغ اللحية، فإنَّ فيه مخالفة لليهود لأنهم لا يصبغون، والصبغ
ليس من باب الوجوب، وإنما هو من باب الاستحباب، بدليل أنَّ كثيرًا من الصحابة لم
يصبغوا.
ومثل الصلاة في النعال، فإنَّ اليهود يخلعون نعالهم، ولعلَّهم أخذوا ذلك مِن قوله تعالى لموسى: ﴿فَٱخۡلَعۡ نَعۡلَيۡكَ﴾ [طه: 12] فصاروا يخلعون نعالهم عند الصلاة، فيستحب للمسلمين أن يصلّوا في نعالهم، إلاَّ إذا ترتَّب على ذلك محذور، كأن تتسخ المساجد والفرش؛ لأن وضع المساجد الآن يختلف عن وضعها في السابق، ففي السابق كانت أرضية المساجد من التراب والحصى ولا تؤثر فيها النعال، أما الآن فلو دخلها بالنعال وهي مفروشة، فإنَّ هذا يؤثر فيها.