×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثالث

الوجه الرابع من الاعتبار: أنَّ الأعياد والمواسم في الجملة لها منفعة عظيمة في دِين الخلق ودُنياهم، كانتفاعهم بالصلاة والزكاة والحج، ولهذا جاءت بها كل شريعة، كما قال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكٗا لِّيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۗ [الحج: 34] وقال: ﴿لِّكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكًا هُمۡ نَاسِكُوهُۖ [الحج: 67].

ثم إنَّ الله شرع على لسان خاتم النبيين من الأعمال ما فيه صلاح الخلق على أتم الوجوه، وهو الكمال المذكور في قوله تعالى: ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ [المائدة: 3].

ولهذا أنزل الله هذه الآية في أعظم أعياد الأمة الحنيفية، فإنَّه لا عيد في النوع أعظم من العيد الذي يجتمع فيه المكان والزمان وهو عيد النحر.

ولا عين من أعيان هذا النوع أعظم من يوم كان قد أقامه صلى الله عليه وسلم بعامة المسلمين، وقد نفى الله تعالى الكفر وأهله.

والشرائع هي غذاء القلوب وقوتها، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه، ويروى مرفوعًا: «إنَّ كل آدب يُحب أن تُؤتى مأدبته، وإنَّ مأدبة الله هي القرآن».

ومن شأن الجسد إذا كان جائعًا فأخذ من طعامٍ حاجته استغنى عن طعام آخر، حتى لا يأكله إن أكل منه إلاَّ بكراهة وتجشم، وربما ضرَّه أكله أو لم ينتفع به، ولم يكن هو المغذي له الذي يقيم بدنه، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته قلَّت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من غيره.


الشرح