وفي الجملة
فالكلمة بعد الكلمة من العجمية أمرها قريب، وأكثر ما يفعلون ذلك إما لكون المخاطب
أعجميًّا، أو قد اعتاد العجمية، يريدون تقريب الأفهام عليه.
كما قال النبي
صلى الله عليه وسلم لأم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص -وكانت صغيرة، وقد وُلِدَت
بأرض الحبشة لـمّا هاجر أبوها - فكساها النبي صلى الله عليه وسلم قميصًا، وقال:
«يَا أُمَّ خَالِدٍ هَذَا سَنَا» ([1])،
والسنا بلغة الحبشة: الحسن.
وروي عن أبي
هريرة رضي الله عنه أنه قال لمن أوجعه بطنه: أشكم بدرد. وبعضهم يرويه مرفوعًا، ولا
يصح.
وأما اعتياد
الخطاب بغير العربية التي هي شِعار الإسلام، ولغة القرآن، حتى يصير ذلك عادة للمصر
وأهله، ولأهل الدار، وللرجل مع صاحبه، أو لأهل السوق، أو للأمراء، أو لأهل
الديوان، أو لأهل الفقه: فلا رَيب أنَّ هذا مكروه، فإنه من التَّشبه بالأعاجم، وهو
مكروه كما تقدم.
ولهذا كان
المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشّام ومصر، ولغةُ أهلهما روميّة، وأرض العراق
وخراسان، ولغة أهلهما فارسيّة، وأهل المغرب، ولغة أهلها بربرية: عَوَّدوا أهل هذه
البـلاد العربيةَ، حتى غَلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم.
وهكذا كانت خراسان قديمًا، ثم إنَّهم تساهلوا في أمر اللغة واعتادوا الخطاب بالفارسيّة، حتى غلبت عليهم.
الصفحة 1 / 355