×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثالث

ومنه الحديث في المقبور: «فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا مِنْهُ مَقْعَدًا فِي الجَنَّةِ»، ويقال للآخر: «انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ الجَنَّةِ؟ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا مِنَ النَّارِ» وقول عمر رضي الله عنه للُبيد: «مَا فَعَلَ شِعْرك؟ قَالَ: أَبْدَلَنِي اللَّهُ بِهِ البَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ» وهذا كثير في الكلام.

فقوله صلى الله عليه وسلم: «قَدْ أَبْدَلَكُمْ الله بِهِمَا خَيْرًا» يقتضي ترك الجمع بينهما، لا سيما قوله: «خَيْرًا مِنْهُمَا» يقتضي الاعتياض بما شرع لنا عما كان في الجاهلية.

وأيضًا: فقوله لهم: «إِنَّ الله قَدْ أَبْدَلَكُمْ» لما سألهم عن اليومين فأجابوه: «إِنَّهُمَا يَوْمَانِ كَانُوا يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ» دليل على أنه نهاهم عنهما اعتياضًا بيومي الإسلام، إذ لو لم يقصد النهي لم يكن ذكر هذا الإبدال مناسبًا، إذ أصل شرع اليومين الواجبين الإسلاميين كانوا يعملونه، ولم يكونوا ليتركوه لأجل يومي الجاهلية.

وفي قول أنس: «وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا» وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا يَوْمَيْنِ خَيْرًا مِنْهُمَا» دليل على أن أنسًا رضي الله عنه فهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا» تعويضًا باليومين المبدلين.

وأيضًا: فإنَّ ذينك اليومين الجاهليين قد ماتا في الإسلام، فلم يبق لهما أثر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عهد خلفائه، ولو لم يكن قد نهى الناس عن اللعب فيهما ونحوه مما كانوا يفعلونه، لكانوا قد بقوا على العادة، إذ العادات لا تُغيَّر إلاَّ بمغُيِّر يزيلها، لا سيما وطباع النساء والصبيان وكثير من الناس متشوقة إلى اليوم


الشرح