الذي يتخذونه
عيدًا للبطالة واللعب، ولهذا قد يعجز كثير من الملوك والرؤساء عن نقل الناس عن
عاداتهم في أعيادهم، لقوة مُقتضيها من نفوسهم، وتوفُّر هِمَمِ الجماهير على
اتخاذها، فلولا قوة المانع من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكانت باقية، ولو على
وجهٍ ضعيف، فعلم أن المانع القوي منه كان ثابتًا، وكل ما منع منه الرسول منعًا
قويًّا كان محرمًا، إذ لا يعني بالمحرم إلاَّ هذا، وهذا أمر بيِّن لا شبهة فيه، فإنَّ
مثل ذينك العيدين لو عاد الناس إليهما بنوع مما كان يفعل فيهما - إن رخص فيه - كان
مراغبة بينه وبين ما نهى عنه، فهو المطلوب.
والمحذور في
أعياد أهل الكتابين التي نقرهم عليها أشد من المحذور في أعياد الجاهلية التي لا
نقرهم عليها، فإن الأمة قد حُذِّروا مشابهة اليهود والنصارى، وأُخْبِرُوا أن
سيفعلُ قوم منهم هذا المحذور، بخلاف دين الجاهلية، فإنه لا يعود إلاَّ في آخر
الدهر عند اخترام أنفس المؤمنين عمومًا، ولو لم يكن أشد منه، فإنه مثله على ما لا
يخفى، إذ الشر الذي له فاعل موجود: يُخاف على الناس منه أكثر من شر لا مقتضى له
قوى.
الحديث الثاني: ما رواه أبو داود: حدثنا شعيب بن إسحاق، عن الأوزاعي، حدثني يحيى بن أبي كثير، حدثني أبو قِلاَبة، حدثني ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببُوانة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني نذرتُ أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟» قَالوا: لاَ، قَالَ: «فَهَلْ كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟»، قَالوا: لاَ،