سبحانه: ﴿يَمۡحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثۡبِتُۖ وَعِندَهُۥٓ أُمُّ
ٱلۡكِتَٰبِ﴾ [الرعد: 39] فالنسخ حق لله جل وعلا والله - سبحانه - ينسخ ما يشاء لمصلحة
الناس، فيشرع للناس ما يصلحهم في وقتهم، ثم يشرع للجيل الثاني ما يناسبهم في وقتهم
حسب حكمته ورحمته وعلمه، فلما أرسل الله رسوله بشريعة الإسلام استقر، فلا ينسخ ولا
يبدل منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وسيبقى كذلك إلى أن تقوم الساعة، فهو لا
يدخله تغيير ولا تبديل، وليس لأحد من العلماء مهما علت درجته في العلم أن يبدل أو
يُغير، وهذا خلاف دِين النصارى فإنه أُلعوبة في أيدي أحبارهم ورهبانهم، وقد شابههم
من المبتدعة من هذه الأمة من اتخذ الأئمة أربابًا من دون الله، يحللون ويحرمون من
عند أنفسهم.
فالواجب أن يحذر
المسلمون من الوقوع فيما وقع فيه النصارى، لا سيّما بعض الفرق الضالة التي تنتسب
للإسلام، فيشابهون النصارى بأنَّ رؤساءهم وقادتهم يحلون ويحرمون من عند أنفسهم،
ومريدوهم يوافقونهم على ذلك ويطيعونهم.
قوله: «فهم واليهود في هذا الباب وغيره على طرفي نقيض...» يعني: أنَّ النصارى مع اليهود على طرفي نقيض: فاليهود يجحدون النسخ نهائيًّا ولا يجيزونه، وهم في حقيقة الأمر يعلمون أنه حق، لكن قالوا بهذا لأجل أن يبطلوا شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ؛ أنَّ الإسلام ناسخ لما قبله، فهم يريدون أن يبطلوا ذلك، وأن يفرضوا اليهودية على العالم؛ لأنه لا ناسخ لها بزعمهم.
الصفحة 1 / 355