الوجه الثالث من الاعتبار: أنه إذا سوّغ فعل القليل من ذلك أدّى إلى
فعل الكثير، ثم إذا اشتهر الشيء دخل فيه عوام الناس، فتناسوا أصله، حتى يصير عادةً
للناس بل عيدًا، حتى يضاهَى بعيد الله.
بل قد يزيد عليه،
حتى يكاد أن يفضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر.
كما قد سوَّله
الشيطان لكثير ممن يدَّعي الإسلام فيما يفعلونه في أواخر صوم النصارى، من الهدايا
والأفراح والنفقات، وكسوة الأولاد، وغير ذلك ممّا يصير به مثـل عيـد المسلمين.
بل البلاد
المصاحبة للنصارى التي قلَّ علم أهلها وإيمانهم، قد صار ذلك أغلب عندهم، وأبهى في
نفوسهم من عيد الله ورسوله على ما حدثني به الثقات.
ويؤكد صحة ذلك: ما رأيته بدمشق وما حولها من أرض الشّام، مع أنها أقرب إلى العلم والإيمان، فهذا الخميس الذي يكون في آخر صوم النصارى، يدور بدوران صومهم الذي هو سبعة أسابيع، وصومهم وإن كان في أوائل الفصل الذي تسميه العرب الصيف، وتسميه العامّة الرَّبيع، فإنه يتقدم ويتأخر، ليس له حد واحد من السَّنة الشَّمسية - كالخميس الذي هو في أول نيسان - بل يدور في نحو ثلاثة وثلاثين يومًا، لا يتقدم أوله عن ثاني شباط، ولا يتأخر أوله عن ثاني آذار، بل يبتدؤون من الإثنين الذي هو أقرب إلى اجتماع الشَّمس والقمر في هذه الـمدة، ليراعوا التَّوقيت الشَّمسي والهلالي، وكل ذلك بدع أحدثوها باتفاق منهم، خالفوا بها الشريعة التي جاءت بها الأنبياء.
الصفحة 1 / 355