×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثالث

وعلى هذا فنص أحمد على كراهة نظارة كرم النصراني لا ينافي هذا، فإنّا ننهاه عن هذا الفعل وعن ثمنه، ونقضي له بكرائه، ولو لم نفعل هذا لكان في هذا منفعة عظيمة للعصاة، فإنَّ كل من استأجروه على عمل يستعينون به على المعصية قد حصَّلوا غرضهم منه، ثمَّ لا يعطونه شيئًا، وما هم بأهل أن يعاونوا على ذلك، بخلاف من سلم إليهم عملاً لا قيمة له بحال.

نعم، البغي والمغني والنائحة، ونحوهم؛ إذا أعطوا أجورهم ثم تابوا: هل يتصدقـون بها، أو يجب أن يردوهـا على من أعطاهموها؟ فيها قولان:

أصحهما: أنّا لا نردها على الفساق الذين بذلوها في المنفعة المحرمة، ولا يباح الأخذ، بل يتصدق بها، وتصرف في مصالح المسلمين، كما نصَّ عليه أحمد في أجرة حمال الخمر.

ومن ظن أنها ترد على الباذل المستأجر: لأنَّها مقبوضة بعقد فاسد، فيجب ردها عليه كالمقبوض بالربا، أو نحوه من العقود الفاسدة. فيقال له: المقبوض بالعقد الفاسد يجب فيه الترادّ من الجانبين، فيرد كل منهما على الآخر ما قبضه منه، كما في تقابض الربا عند من يقول: المقبوض بالعقد الفاسد لا يملك كما هو المعروف من مذهب الشافعي وأحمد. فأمّا إذا تلف المقبوض عند القابض، فإنه لا يستحق استرجاع عوضه مطلقًا.

وحينئذ فيقال: وإن كان ظاهر القياس يوجب ردها بناء على أنها مقبوضة بعقد فاسد، فإنَّ الزاني ومستمع الغناء والنوح قد بذلوا هذا المال عن طيب نفوسهم، واستوفوا العوض المحرَّم، والتحريم


الشرح