الآيَاتِ - أَي:
الَّتِي تَنْهَى عَنْ مُوَادَّة الكُفَّارِ - لَيْسَتْ عَلَى إِطْلاَقِهَا وَلاَ
تَشْمَلُ كُلَّ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ أَوْ كَافِرٍ. وَلَوْ فُهِمَتْ
هَكَذَا لَنَاقَضَتِ الآيَاتِ وَالنُّصُوصَ الأُخْرَى الَّتِي شرعَتْ مُوَادَّة
أَهْلِ الخَيْرِ وَالمَعْرُوفِ مِنْ أَيِّ دِينٍ كَانُوا! إِلَى أَنْ قَالَ:
إِنَّمَا جَاءَتْ تِلكَ الآيَاتُ فِي قَوْمٍ مُعَادِينَ لِلإِسْلاَمِ مُحَارِبِينَ
لِلمُسْلِمِينَ». ا هـ.
وَتَعْقِيبُنَا
عَلَى فَضِيلَةِ المُؤَلِّفِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الأَوَّلُ: أَنَّ الآيَاتِ
الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ مُوَاصَلَةِ بَعْضِ الكُفَّارِ بِالبِرِّ وَالإِحْسَانِ
مِنْ سُورَةِ المُمْتَحِنَةِ، قَدْ قَالَ عَنْهَا بَعْضُ المُفَسِّرِينَ:
إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ؛ قَالَ الإِمَامُ القُرْطُبِيُّ فِي «تَفْسِيرِهِ»:
«هَذِهِ الآيَةُ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي صِلَةِ الَّذِينَ لَمْ
يُعَادُوا المُؤْمِنِينَ وَلَمْ يُقَاتِلُوهُمْ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَ هَذَا
أَوَّلُ الإِسْلاَمِ عِنْدَ المُوَادَعِة وَتَرْكِ الأَمْرِ بِالقِتَالِ ثُمَّ
نُسِخَ. فَقَالَ قتَادَة: نَسَخَتْهَا﴿فَٱقۡتُلُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَيۡثُ وَجَدتُّمُوهُمۡ﴾ [التوبة: 5]،
وَقِيلَ: كَانَ هَذَا الحُكْمُ لِعِلَّةٍ وَهِيَ الصُّلحُ، فَلَمَّا زَالَ
الصُّلحُ بِفَتْحِ مَكَّةَ نُسِخَ الحُكْمُ، وَبَقِيَ الرَّسْمُ يُتْلَى». ا هـ.
وَذَكَرَ ابْنُ
جَرِيرٍ رحمه الله قَوْلاً آخَرَ فِي الآيَةِ وَهُوَ: «أَنَّ الآيَةَ خَاصَّةٌ
بِالمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا»؛ أَي: لَيْسَتْ فِي الكُفَّارِ،
فَعَلَى هَذَيْنِ القَولِين: أَنَّ الآيَةَ مَنْسُوخَةٌ أَوْ خَاصَّةٌ
بِالمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا؛ لاَ يَبْقَى إِشْكَال بَيْنَهَا
وَبَيْنَ الآيَاتِ الَّتِي تُحَرِّمُ مُوَادّة الكُفَّارِ عُمُومًا.
الثَّانِي: أَنْ
نَقُولَ: وَعَلَى القَوْلِ بِأَنَّ آيَةَ المُمْتَحِنَةِ مَحْكَمَةٌ، أَوْ غَيْر
خَاصَّة بِالمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ لَمْ يُهَاجِرُوا، فَلَيْسَ فِيهَا مَا
زَعَمَهُ المُؤَلِّفُ مِنْ إِبَاحَةِ مُوَادَّة أَحَدِ الكُفَّارِ، وَإِنَّمَا
فِيهَا الرُّخْصَةُ بِصِلَةِ نَوْعٍ مِنَ الكُفَّارِ وَمُعَامَلتهمْ بِالبِرِّ
وَالإِحْسَانِ مِنْ بَابِ المُكَافَأَةِ عَلَى صَنِيعِهِمْ، وَهَذَا لاَ
يَسْتَلزِمُ مَوَدَّتَهُمْ فِي