احترام الآراء
والتَّفصيل فيه
الحَمْدُ للَّه الَّذي رَفَعَ من شَأْن العُلَماء العَامِلِين المُتَّقين،
وَالصَّلاة وَالسَّلام عَلَى نبيِّنا مُحمَّدٍ خَاتم النَّبيِّين، وَعَلَى آلِهِ
وأَصْحَابه ومَنْ تَبعهُمْ بإحسانٍ إِلَى يَوْم الدِّين، أمَّا بَعْدُ:
فقَدْ تَكرَّرت عبارة: «احْتِرَام الرَّأي الآخَر»
فِي وَسَائل الإعْلاَم المَسْمُوعة والمَقْرُوءة، وَصَارت كأنَّها قاعدةٌ، وهَذِهِ
العبارةُ لَيْست عَلَى إطْلاَقها، فإنَّ أُمُورَ الدِّين مَبْناها عَلَى الكتَاب
والسُّنَّة لا عَلَى الآرَاء، فأَيُّ وَاحِدٍ أخْطَأ فيها، فَإنَّهُ لا يَجُوزُ
احْتِرَام رَأْيه، والسُّكُوت عَنْهُ؛ لأنَّ ذَلِكَ غشٌّ للإِسْلاَم
والمُسْلِمِين، وَكتمانٌ للحقِّ، واللَّهُ تَعَالَى يقُولُ: ﴿وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ
مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا
تَكۡتُمُونَهُۥ﴾ [آل عمران: 187]، ولَوْ كَانَ المُخطئُ من أفْضَل النَّاس وأعْلاَهُم
منزلةً، فإنَّ الحقَّ أعْلَى منهُ.
وهَذَا عَبْدُ اللَّه بْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يرُدُّ رأيَ أبي بكرٍ
وعُمر رضي الله عنهما فِي فَسْخ الحجِّ إِلَى العُمْرة لمَّا خالَفا الدَّليلَ،
ويقُولُ: «يُوشكُ أَنْ تنزلَ عَلَيكُم حجارةٌ من السَّماء، أقُولُ: قَالَ
رسُولُ اللَّه، وتقُولُون: قَالَ أبُو بكرٍ وعُمرُ»! لأنَّهُ لا اجتهادَ مع
النَّصِّ، فَلاَ يجُوزُ احترامُ الرَّأي عَلَى حسَاب الدِّين، والرَّدُّ عَلَى
الخطأ لا يعني تنقُّص المَرْدُود عَلَيْه، والحطَّ من قَدْره إلاَّ إِذَا كَانَ
المردُودُ عَلَيْه لَيْسَ من أَهْل العِلْمِ، فإنَّهُ يُبيَّنُ حالُهُ حتَّى يعرفَ
قَدْرَ نفسِهِ، وحتَّى لا يُحْسَبَ عَلَى العُلمَاء وَهُو لَيْسَ مِنْهُمْ،
والعُلَماءُ لا يُجيزُون السُّكُوتَ عن أخْطَائهم، ولا يَتَرفَّعُون عن قَبُول
الحقِّ ممَّن جاء به، فهَذَا الإمامُ أبُو حَنيفة رحمه الله يقُولُ: «إِذَا جاءَ
الحَديثُ عن رسُول
الصفحة 1 / 325