حول ظاهرة التَّسوُّل
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَٱبۡتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرِّزۡقَ وَٱعۡبُدُوهُ﴾ [العنكبوت: 17].
وَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ
اللهَ» ([1]).
وَشَرع سُبحانهُ لعبادِهِ طلبَ الرِّزق، ويَسَّر لهُمْ أسبابَهُ، وَهَذَا
عزٌّ للمُسْلم، وَشرفٌ لهُ، ووجَّه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى العَمل
باليَد، وَالاسْتغنَاء بذَلِكَ عَنْ سُؤال النَّاس، وَأَخْبَرَ أنَّ الصَّدقةَ لا
تَحلُّ لقويٍّ مُكْتَسبٍ، وأنَّهُ لا يحلُّ سُؤالُ النَّاس شيئًا من أَمْوَالهم
إلاَّ فِي نِطَاقٍ ضَيِّقٍ، كغَلَبة الضَّرُورة المُلحَّة حتَّى يُصيبَ ما
يَكْفيه، ثُمَّ يكُفُّ عن السُّؤال، وأَخْبَر صلى الله عليه وسلم أنَّ مَنْ يسأل
النَّاسَ وعندهُ ما يَكْفيه أنَّهُ إنَّما يَسْألُ جَمْرًا، فَليقلَّ أو
ليَسْتَكْثر، وأنَّ هَذَا النَّوعَ من النَّاس يأتي يَوْمَ القيَامة وليسَ فِي
وَجْهه مُزْعة لحمٍ، وأنَّ مَسْألتهُ تَظْهرُ خُمُوشًا فِي وجهه يومَ القيَامة
فَضيحةً لهُ بَيْن الخَلاَئق، فيجبُ عَلَى المُسْلم أن يكُفَّ عن سُؤال النَّاس
شيئًا من أمْوَالهم إلاَّ فِي حُدُود الضَّرُورة، وأنْ يتَّجه إِلَى العَمل
الشَّريف، والكَسْب النَّزيه، وهُو مأجُورٌ عَلَى ذَلِكَ، بل قَدْ عدَّهُ
النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فِي سَبيل اللَّه، وأَخْبَر صلى الله عليه وسلم أنَّ
مَنْ فتحَ عَلَى نَفْسه بابَ مَسْألةٍ، فتحَ اللَّهُ عَلَيْه بابَ فقرٍ؛ عُقُوبةً
لهُ.
وَإنَّ منَ النَّاس فِي وَقْتنا الحاضر مَن اتَّخذُوا المَسْألة حرفةً لهُم، وَطريقَ تَكسُّبٍ، حتَّى فِي المَسَاجد الَّتي هي بُيُوتُ العبادة، يُضَايقُون المُصلِّين، ويَرْفعُون أصْوَاتَهُم بالمسألة من غير حَيَاءٍ، ولا خَوْفٍ، ويَشْغلُون المُصلِّين عن ذِكْرِ اللَّه، ويَتَظَاهرُون بالعَجْز البدنيِّ والفَقْر،
الصفحة 1 / 325