المقدمة
الحَمْدُ للَّه ربِّ العَالَمين، والصَّلاة والسَّلام عَلَى نبيِّنا
مُحمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وأصحابِهِ والتَّابعين لهُمْ بإِحْسَانٍ إِلَى يَوْم
الدِّين، أمَّا بَعْد:
فإنَّ اللَّه فضَّل صحابةَ رسُولِهِ عَلَى سائر الأُمَّة، وأخبر أنَّهُ
رَضِيَ عَنْهُم وأَرْضاهُم، وشرع اتِّباعهُمْ بإحْسَانٍ، فقَالَ تَعَالَى: ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ
ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم
بِإِحۡسَٰنٖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ﴾ [التَّوبة: 100]، وأَثْنَى عَلَى الَّذينَ
يَتولَّونهُم ويَسْتغفرُون لهُم، فقَالَ: ﴿وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعۡدِهِمۡ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ
لَنَا وَلِإِخۡوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلۡإِيمَٰنِ وَلَا تَجۡعَلۡ فِي
قُلُوبِنَا غِلّٗا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٞ رَّحِيمٌ﴾ [الحشر: 10].
وَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدَكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ» ([1])، ولهَذَا كَانَ مذهبُ أهل السُّنَّة والجَمَاعة مُوالاة أصْحَاب رسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، والتَّرضِّي عَنهُم، والاقْتدَاء بهم، والكفَّ عَن الخَوْض فيما شَجَر بَيْنهُم؛ لأنَّهُمْ فيه مُجْتهدُون؛ إمَّا مُصِيبُون، فَلهُم أَجْرَان، وإمَّا مُخْطئُون فَلهُمْ أجرٌ واحدٌ، وَالخَطأُ مغفُورٌ، ولَنْ تَأْبى فئاتُ الحَاقِدِين عَلَى الإِسْلاَم والمُسْلمين من اليهُود والنَّصارى والمَجُوس إلاَّ أن تظهرَ ما فِي نُفُوسها من الحقد عَلَى صَحابَة رسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم من فَجْر التَّاريخ حين ظهرَ اليهُوديُّ الحاقدُ: عبدُ اللَّه بْن سبأ اليهُوديِّ الَّذي ادَّعى الإِسْلاَم مكرًا وخداعًا، وصار يتكلَّمُ فِي الخَليفة الرَّاشد عُثْمان بْن عفَّان رضي الله عنه وأَرْضاهُ، وصار ينفُثُ سُمُومَهُ
الصفحة 1 / 325