العُلَمَاءُ مَا
غَابُوا عَنِ المُجْتَمَعِ
الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَتْرَةً مِنَ
الرُّسُلِ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، يَنْفُونَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ
تَحْرِيفَ الغَالِينَ وَانْتِحَالَ المُبْطِلِينَ، يَرُدُّونَ مَنْ ضَلَّ إِلَى
الهُدَى، وَيُبَصِّرُونَ أَهْلَ العَمَى، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى
نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ تَرَكَ أُمَّتَهُ عَلَى البَيْضَاءِ، لاَ يَزِيغُ عَنْهَا
إلاَّ هَالِكٌ. وَبَعْد:
فَقَدْ كَثُرَ الكَلاَمُ فِي هَذَا الوَقْتِ فِي حَقِّ العُلَمَاءِ،
وَأَنَّهُمْ غَابُوا عَنِ السَّاحَةِ وَعَنِ الشَّبَابِ وَلَمْ يَقُومُوا
بِوَاجِبِ النُّصْحِ وَالبَيَانِ، حَتَّى إِنَّ مَنْ سَمِعَ هَذَا الكَلاَمَ
فَإِنَّهُ تَنْخَفِضُ عِنْدَهُ مَنْزِلَةُ العُلَمَاءِ وَيُسِيءُ الظَّنَّ بِهِمْ،
وَأَقُولُ تجَاهَ هَذَا:
1- العُلَمَاءُ - وَلِلَّهِ الحَمْدُ - مَا غَابُوا
عَنِ السَّاحَةِ، بَل هُمْ قَائِمُونَ بِوَاجِبِهِمْ خَيْرَ قِيَامٍ، حَسَبَ
الإِمْكَانِ فِي مَكَاتِبِهِمْ، وَفِي دُرُوسِهِمْ فِي مُحَاضَرَاتِهِمْ، وَفِي
خُطَبِ الجُمَعِ، وَفِي كِتَابَاتِهِمْ وَمُؤَلَّفَاتِهِمْ، كَمَا يَعْرِفُ ذَلِكَ
مَنْ يُتَابِعُ نَشَاطَهُمْ.
2- الشَّبَابُ فِي الحَقِيقَةِ هُمُ الَّذِينَ
غُيِّبُوا عَنِ العُلَمَاءِ ونَفَروا مِنْهُمْ، وَقِيلَ لَهُمْ: إِنَّهُمْ لاَ
يَعْرِفُونَ فِقْهَ الوَاقِعِ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ سَعَةَ أُفُقٍ.. إِلَخْ، مَا
يَلمِزُونَ بِهِ مِنْ قِبَلِ دُعَاةِ الضَّلاَلِ بِقَصْدِ فَصْلِ الشَّبَابِ
وَفَصْلِ المُجْتَمَعِ عَنِ العُلَمَاءِ.
3- العُلَمَاءُ يُعَتَّمُ عَلَى نَشَاطِهِمْ
وَيُهَمَّشُ وَلاَ يُنْشَرُ لِلنَّاسِ، وَإِنَّمَا يُنْشَرُ مَا يُخَالِفُهُ مِنَ
المُحَاضَرَاتِ وَالخُطَبِ الحَمَاسِيَّةِ الخَالِيَةِ مِنَ العِلمِ.
4- العُلَمَاءُ لاَ تَهْتَمُّ بِنَشَاطِهِمْ
وَسَائِلُ الإِعْلاَمِ المَرْئِيَّةُ وَالمَسْمُوعَةُ وَالمَقْرُوءَةُ، بَل إِنَّ
كثِيرًا مِنَ الصُّحُفِ لاَ تَنْشُرُ مَقَالاَتِهِمْ وَرُدُودِهِمْ عَلَى
المُخَالِفِينَ، بَيْنَمَا تَنْشُرُ بِتَوَسُّعٍ الآرَاءَ وَالمَقَالاَتِ المُخَالِفَةَ
الَّتِي تَنْشُرُ
الصفحة 1 / 325