لا تتدخَّلوا
فيمَا ليسَ من اخْتَصَاصِكُم
الحمدُ للَّه. والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا مُحَمَّدٍ وآله وصَحْبِه.
ومن وَالاَهُ وبعدُ:
فقدْ خلَقَ اللَّهُ الخلقَ لعبادتِه وفطَرَهُم على تَوحِيدِه وطاعتِه: ﴿وَلَٰكِنِ ٱخۡتَلَفُواْ
فَمِنۡهُم مَّنۡ ءَامَنَ وَمِنۡهُم مَّن كَفَرَۚ﴾ [البقرة: 253]،﴿هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمۡ فَمِنكُمۡ كَافِرٞ وَمِنكُم مُّؤۡمِنٞۚ﴾ [التغابن: 2] فاللَّهُ
أرادَ لهم بإرادَتِه الدِّينيَّة الإيمانَ والخيرَ، وأرادَ لهم الشَّيطانُ ودعاةُ
السُّوءِ الكُفرَ والشَّرَّ. قَالَ تَعَالَى: ﴿يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمۡ وَيَهۡدِيَكُمۡ سُنَنَ ٱلَّذِينَ
مِن قَبۡلِكُمۡ وَيَتُوبَ عَلَيۡكُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ ٢٦ وَٱللَّهُ
يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡكُمۡ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوَٰتِ
أَن تَمِيلُواْ مَيۡلًا عَظِيمٗا﴾ [النساء: 26- 27].
ولذلكَ أرسلَ اللَّهُ الرُّسلَ وأنزلَ الكُتبَ وأقامَ الحجج فمن النَّاسِ
من قَبِلَ الحقَّ ودخلَ في الإيمانِ طائعًا مُختارًا، ومن النَّاسِ من رفضَ قبولَ
الحقِّ ودخلَ في الكُفرِ طَائعًا مُخْتارًا.
وقد وضعَ اللَّهُ فوارقَ بين المؤمنينَ والكفَّارَ في الدُّنيا والآخرَةِ
ونهى عنِ التَّسوية بين الفريقينِ وجعَلَ لكلِّ فريقٍ جزاءً وأحكامًا في الدُّنيا
والآخِرَةِ. ووضع لكلِّ فريقٍ اسمًا مميَّزًا؛ كالمؤْمِنِ والكافرِ، والبرِّ
والفاجرِ، والمشركِ والموحَّدِ، والفاسقِ والمُنافِقِ، والمُطيعِ والعاصِي. ونهى
عنِ التَّسويةِ بين المُخْتلفَينِ في هَذِهِ الأسماءِ والسُّلوكيَّاتِ فقالَ
سُبْحَانَهُ: ﴿أَمۡ
حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجۡتَرَحُواْ ٱلسَّئَِّاتِ أَن نَّجۡعَلَهُمۡ كَٱلَّذِينَ
ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ﴾ [الجاثية: 21]، وقَالَ تَعَالَى:﴿أَمۡ نَجۡعَلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ
كَٱلۡمُفۡسِدِينَ فِي ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ نَجۡعَلُ ٱلۡمُتَّقِينَ كَٱلۡفُجَّارِ﴾ [ص: 28]. يعني: لا
نجْعَلُهُم سَواءً؛ لأنَّ ذلك لا يَلِيقُ بعدْلِ اللَّهِ.
الصفحة 1 / 325