الفتوى وآدابها
كَانَت الفَتْوى فِي الإِسْلاَم لها أهمِّيَّتها وَمَكَانتها، ولا يُقْدمُ
عَلَى القيَام بِهَا إلاَّ مَنْ هُوَ مُؤهَّلٌ لهَا علميًّا، مع تَقْوى اللَّه
والخَوْف منهُ؛ لأنَّها إخبارٌ عَن اللَّه أنَّهُ أحلَّ كَذَا أو حَرَّم كَذَا،
وقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا
تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلۡسِنَتُكُمُ ٱلۡكَذِبَ هَٰذَا حَلَٰلٞ وَهَٰذَا
حَرَامٞ لِّتَفۡتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفۡتَرُونَ
عَلَى ٱللَّهِ ٱلۡكَذِبَ لَا يُفۡلِحُونَ ١١٦ مَتَٰعٞ
قَلِيلٞ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ١١٧﴾ [النَّحل: 116، 117].
ولهَذَا، كَانَ السَّلف الصَّالح
يتهيَّبُون الفَتْوى، ولا يُفتي أحدُهُم إلاَّ عندَ الضَّرُورة إِذَا لم يُوجَد
غَيْره، وكانُوا يَتَدافعُون الفَتْوى، ويقُولُ قائلُهُم: أَجْرؤُكُم عَلَى
الفَتْوى، أَجْرؤُكُم عَلَى النَّار، لَكن فِي عَصْرنا الحَاضر صَارت الفَتْوى
مجالاً فَسيحًا يَتَسابقُ فيه مَنْ يُريدُ الشُّهرةَ، أَوْ مَنْ يَلْتمس رضَا
النَّاس بسَخَط اللَّه، وَلاَ حَوْل وَلاَ قُوَّة إلاَّ باللَّه، وَهُنَاك مَنْ
يُشجِّعُهُ عَلَى هَذَا الإجْرَام، ويُلقِّبُهُ بلَقَب: الإمَام، ومُجْتهد
العَصْر، بدلاً من أنْ يَنْصحهُ ويُخوِّفهُ باللَّه، بل يُعدُّ مَنْ ينصحُهُ
ويُبيِّنُ أخطاءهُ آكلاً للُحُوم العُلَماء، ومُتنقِّصًا لأَهْل الفضل، وَحَاسدًا
لهُم إِلَى غَيْر ذَلِكَ من صُنُوف اللَّوم.
إنَّ الإمَامَةَ فِي الدِّين لا تُنَالُ إلاَّ بالعِلْمِ الرَّاسخ،
وَالعَمل الصَّالح، وَالصَّبر عَلَى الجهَاد فِي سَبيل اللَّه ببَيَان الحقِّ،
وَردِّ البَاطل، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بَِٔايَٰتِنَا
يُوقِنُونَ﴾ [السَّجدة: 24]، وإنَّ الاجْتهَاد المُطْلق لا يُنَالُ إلاَّ بمُؤهِّلاته
العلميَّة، وشُرُوطه المَعْرُوفة فِي كُتُب أُصُول الفقه، وَهُناك مَسائلُ
لَيْست مجالاً للاجْتهَاد، وَهي:
الصفحة 1 / 325