الدِّين لا ينقسمُ
إِلَى ثوابتَ ومُتغيِّراتٍ
الحَمْدُ للَّه، وَالصَّلاة والسَّلام عَلَى رسُول اللَّه، وَعَلَى آلِهِ
وصَحْبه ومَنْ والاهُ، وبَعْد:
فقَدْ صِرْنا نسمعُ أخيرًا مَنْ يقُولُ: إنَّ الدِّين ينقسمُ إِلَى ثوابتَ ومُتغيِّراتٍ، وهَذِهِ عبارةٌ لا
وُجُودَ لها فيما نَعْلمُ فِي كَلاَم أَهْل العِلْمِ؛ لأنَّ دينَ اللَّه كُلَّهُ
ثَوَابتُ، فما تُوُفِّي رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إلاَّ بعدما أكْمَل
اللَّهُ به الدِّينَ، وَاستقرَّت الأحكامُ، فلا تُبدَّل ولا تُغيَّر إِلَى أَنْ
يرثَ اللَّهُ الأرضَ ومَنْ عَلَيْها، وليسَ لأَحَدٍ صَلاحِيةٌ بعد الرَّسُول صلى
الله عليه وسلم أنْ يُبدِّل أو أنْ يُغيِّر، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ
دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ﴾ [المائدة: 3]، فالدِّينُ برُخَصه وعَزَائمه قد استقرَّ وثبتَ بعد وَفَاة
النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلاَ يُغيَّر منهُ شيءٌ، ولاَ يُزَادُ فيه، ولا
يُنْقصُ منهُ ﴿لَّا
يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٞ مِّنۡ
حَكِيمٍ حَمِيدٖ﴾ [فصلت: 42]، وهَذِهِ الكَلمةُ «الثَّوابتُ والمُتغيِّراتُ» الَّتي تَجْري
عَلَى أَلْسنَة بعض طَلَبة العلم رُبَّما يستغلُّها أصحابُ الأهْوَاء فِي مُحَاولة
تَغْيير بعض الأحْكَام الَّتي لا تَتَوافقُ مع رَغَباتهم وأهْوَائهم الَّتي قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى فيها: ﴿وَلَوِ
ٱتَّبَعَ ٱلۡحَقُّ أَهۡوَآءَهُمۡ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ وَمَن
فِيهِنَّۚ﴾ [المُؤمنون: 71]، وإنْ كَانَ لهَذِهِ الكَلمَة الَّتي قَدْ يقُولُها بعضُ
الطَّلَبة محملٌ صحيحٌ، فَهُم يُريدُون اجْتهَادات العُلَماء فيما لم يَرِدْ فيه
نصٌّ، فإنَّ اجتهادَ المُجْتهد قَدْ يتغيَّرُ من حِينٍ لآخر حَسَب ما يظهرُ لَهُ
من الأدلَّة فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَفِي حقِّ كُلِّ نَازِلَةٍ، وقَدْ قَالَ عُمرُ رضي
الله عنه لمَّا اختلفَ اجتهادُهُ فِي قَضيَّة مِيرَاثٍ: «ذاكَ فيما قَضَينا،
وهَذَا فيما نَقْضي».
الصفحة 1 / 325