اللَّه، فَعَلى الرَّأس
والعَيْن، وإِذَا جاءَ الحديثُ عن الصَّحَابة، فَعَلى الرَّأس والعَيْن، وإِذَا
جَاء الحديثُ عن غَيْرهم، فهُمْ رجالٌ ونحنُ رجالٌ»، يَعْني: هُمْ عُلَماءُ ونحنُ
عُلَماءُ ما دَامت المسألةُ اجتهاديَّةً، فمَسَائلُ الاجْتهَاد الَّتي لم يتَّضح
فيها الحقُّ لا إنكارَ فيها إِذَا كَانَ القائلُ بها من أَهْل الاجْتهَاد الَّذين
يَحْملُون مُؤهِّلاته المَعْرُوفة فِي كُتُب الأُصُول، وليسَ من المُتَعَالمين
الجَاهِلِين، فليسَ الاجْتهَاد لكُلِّ أَحَدٍ. وَالإمَام مَالكٌ رحمه الله يقُولُ:
«كُلُّنا رَادٌّ ومَرْدُودٌ عَلَيْه إلاَّ صَاحب هَذَا القَبْر»، يَعْني رسُول
اللَّه صلى الله عليه وسلم، فليسَ هُناك أحدٌ فَوْق الرَّدِّ عَلَيْه إِذَا أخطأَ،
وليسَ لأَحَدٍ أن يتعصَّب لرأيه.
وَالإمامُ الشَّافعيُّ رحمه الله يقُولُ: «إِذَا خَالَف قَوْلي قَوْل رسُول
اللَّه، فَاضْربُوا بقَوْلي عُرْض الحَائط»، أيْ: اتْرُكُوهُ.
والإمَامُ أَحْمد رحمه الله يقُولُ: «عَجبتُ لقومٍ عَرفُوا الإسنادَ
وصحَّتهُ يَذْهبُون إِلَى رأي سُفْيان، واللَّهُ تَعَالَى يقُولُ: ﴿فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ
عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النُّور: 63] ».
ثُمَّ إنَّ هَؤُلاَء الَّذين يُطْلقُون هَذِهِ العبارَة: «احْترَام الرَّأي
الآخَر»، إنَّما يَحْترمُون ما يُوَافقُ أهْواءَهُم، ويَتَمشَّى مع رَغَباتهم ولَوْ
كَانَ مُخالفًا للكتَاب والسُّنَّة، ولا يَحْتَرمُون الرَّأي المُوَافق للكتَاب
والسُّنَّة إِذَا كَانَ مُخالفًا لأهْوَائهم ورَغَباتهم، بل يصفُونهُ بالجُمُود
والتَّشدُّد والسَّطحيَّة.. إِلَى غَيْر ذَلِكَ من الأَوْصَاف المَذْمُومة.
ولا يَلْزمُ فِي الرَّدِّ عَلَى المُخَالف أن تُذْكُرَ حَسَناتُهُ، كَمَا
يقُولُهُ أصحابُ المُوَازنات؛ لأنَّهُ لَيْسَ القَصْدُ تقويمَهُ، وإنَّما القَصْد
بَيَان أخطائِهِ؛ لئلاَّ يغتَرَّ بها، وليسَ القَصْدُ تَقْويمَ الشَّخص.