وَالرَّدُّ عَلَى المُخَالف فِي أُمُور الدِّين أمرٌ وَاجبٌ؛ لئلاَّ يلتبسَ
الحقُّ بالبَاطل، وقَدْ رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَقَالات الكُفَّار
والمُنَافقين فِي كتابِهِ الكَريم، ولمَّا قَالَ أبُو سُفْيان يوم أُحُدٍ
للمُسْلِمِين: لَنَا العُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ، قَالَ رسُولُ اللَّهُ صلى الله
عليه وسلم للصَّحابة: «أَلاَ تُجِيبُونَهُ» قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا
اللَّهُ مَوْلاَنَا، وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ» ([1])، وكَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يأمُرُ حسَّانَ بْن ثابتٍ رضي الله
عنه أن يرُدَّ عَلَى المُشْركين بشِعْرِهِ، وَيقُولُ: «أَجِبْ عَنِّي وَرُوحُ
الْقُدُسِ مَعَك» ([2])، فيرُدُّ عَلَيْهم رضي الله عنه بمَا هُوَ أشدُّ عَلَيْهم مِنْ وَقْع
السِّهام والنَّبل، وَمَا زَال العُلَماءُ يرُدُّون عَلَى المُخَالفين، وكُتُبهُم
فِي ذَلِكَ مَعرُوفةٌ، إلاَّ أنَّهُ يَجبُ أنْ يَكُون الرَّدُّ مُتمشِّيًا مع
الآدَاب الشَّرعيَّة، ويَكُون الهَدفُ منهُ نُصْرة الحقِّ لا الانْتصَار للنَّفس،
والتَّشفِّي من المَرْدُود عَلَيْه، وألاَّ يتناولَ شَخْصيَّة المَرْدُود عَلَيْه
بالتَّجْريح والتَّنقُّص إلاَّ إِذَا كَانَ ضَالًّا أوْ مُبْتدعًا أوْ مُتَعالمًا
يقُولُ عَلَى اللَّه وَعَلَى رسُولِهِ بغير عِلْمٍ، فلا بُدَّ حِينَئذٍ من بَيَان
حال المَرْدُود عَلَيْه العِلْميَّة والدِّينيَّة حتَّى لا يُعوَّل عَلَى قولِهِ،
ولا يُغْتر بما يصدُرُ عنهُ؛ لأنَّ ما لا يَتمُّ الواجبُ إلاَّ به، فَهُو واجبٌ.
وَاللَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي أَهْل الكتَاب الَّذين يسُبُّون المُسْلِمِين، ويَسْتهزئُون بدِينِهم، ويَصفُونهُمْ بالشَّرِّ: ﴿قُلۡ هَلۡ أُنَبِّئُكُم بِشَرّٖ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِۚ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيۡهِ وَجَعَلَ مِنۡهُمُ ٱلۡقِرَدَةَ وَٱلۡخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّٰغُوتَۚ أُوْلَٰٓئِكَ شَرّٞ مَّكَانٗا وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ﴾ [المائدة: 60].
([1])أخرجه: البخاري رقم (3039).