وأنت ترى عامّة كلام أحمد
إنما يُثبِت الرُّخصة بالأثر عن عمرَ أو بفِعْل خالدِ بن مَعْدان، ليثبتَ بذلك
أنَّ ذلك كان يُفعل على عهد السلف ويُقرُّون عليه، فيكون من هَدْي المسلمين، لا من
هَدْي الأعاجم وأهل الكتاب، فهذا هو وجـهُ الحجّة، لا أن مجرَّدَ فعل خالـدِ بن
مَعْدانَ حُجَّة.
وأمّا ما في هذا
الباب عن سائر أئمَّة المسلمين من الصَّحابة والتابعين وسائر الفقهاء، فأكثر مِن
أن يمكن ذِكرُ عُشْره. وقد قدّمنا في أثناء الأحاديث كلام بعضهم الذي يدلّ على
كلام الباقين.
***
كان الإمام أحمد
رحمه الله لا يُفتي بفتوى إلاَّ إذا سبقه من أفتى بها من السَّلف، ولا يستقلُّ بفتوى؛
لأنه يخاف من الخطأ، فهو يريد أن يتبعَ مَن سبقه ويهتدي بهديه. هذا الشيء معروف من
أصول أحمد رحمه الله وهذا من وَرَعه واحتياطاته أنه لا يستجدّ فتوى يفتي بها لم
يُسبق إليها. ولهذا كان رحمه الله حريصًا على هَدْي السلف، في هذا الأصل، وهو
مسألة: ما فيه التشبّه، وما ليس فيه تشبّه. إنما كان رحمه الله يعتمد في فتاواه
وأقواله على السلف، على أقوال الصحابة إن وَجد شيئًا من ذلك، أو أقوال التابعين،
أو أقوال مَن سَبقه من أئمة الفقه، فكان يقول بقولهم ما وجد إلى ذلك سبيلاً، فإذا
لم يجد شيئًا فإنه يتوقف احتياطًا. وهذا يدلُّ على ثباته على الأصل، وعلى عدم
اندفاعه في استحداث الأشياء التي لم يكن فيها هَدْيٌ سابق من منهج المسلمين.
وذكر أنَّ الأصل الثالث من أصول الإجماع: أقوال العلماء، وذكر ما جاء عن الصحابة، وعن الأئمة الأربعة، ثم بيَّن أنه ليس غرضه حصر ما جاء عن السلف، وإنما غرضه سياق أمثلة على هذا الباب
الصفحة 1 / 417