وإنَّما ذكرنا هذا
تَفْسيرًا لما في حديث أَنَس، من تَقْدير صلاة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، إذ
قَدْ يَحْسِب مَن يَسْمعُ هذه الأحاديث أنَّ فيها نَوْع تناقُض، أو يَتمسّكُ بعضُ
النَّاسِ ببعضِها دون بَعْض، ويجهل معنى ما تمسَّك به. وأمَّا في حديث أَنَس
الـمُتقـدِّم مِن قَوْل النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُشَدِّدُوا عَلَى
أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدَّدَ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى
أَنْفُسِهِمْ، فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي
الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارَاتِ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ»
([1])، ففيه نهيُ
النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن التشدُّد في الدِّين بالزيادة على المشروع.
والتَّشديد تارةً يكون باتِّخاذ ما ليسَ بواجبٍ ولا مُسْتحبّ بمنزِلة الواجب
والـمُستحب في العبادات، وتارةً باتِّخاذ ما ليس بمُحرَّمٍ ولا مَكْروه بمنزلة
الـمُحرَّم والمكروه في الطيِّبات. وعلَّل ذلك بأنَّ الَّذين شدَّدوا على
أَنْفُسِهم مِن النَّصارى شدَّد الله عليهم لـذلك، حتى آلَ الأَمْر إلى ما هُم
عليه من الرَّهبانية المبتدعَة. وفي هذا تَنْبيه على كراهـة النبيِّ صلى الله عليه
وسلم لمثل ما عليه النَّصارى من الرَّهبانية الـمُبتدَعة، وإن كـان كثير من
عُبَّادنا قد وقعوا في بعضِ ذلك، متأوِّلـين مَعذُورين، أو غير متأوِّلين ولا
معذورين.
***
قوله: «وإنما ذكرنا هذا تفسيرًا لما في حديث أنس من تقدير صلاة رسول الله...» يعني: إنما أطال الشيخ رحمه الله في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم نظرًا لأنَّ النَّاسَ أساؤوا الفَهْم للأحاديث الواردة في صفتها، فمنهم من حمل التخفيف على ظاهره، فخَفَّف تخفيفًا مخلًّا بالصلاة،
الصفحة 1 / 417