فهذا كتاب الله
يَحمَدُ بعضَ الأعرابِ، ويَذمُّ بعضَهم، وكذلك فُعل بأهل الأمصار، فقال سبحانه: ﴿وَمِمَّنۡ حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مُنَٰفِقُونَۖ وَمِنۡ أَهۡلِ
ٱلۡمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعۡلَمُهُمۡۖ نَحۡنُ نَعۡلَمُهُمۡۚ
سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيۡنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٖ﴾ [التوبة:
101]، فبيَّن أنَّ المنافقين في الأعراب وذوي القرى.
***
كما ذمَّ الله تعالى بعض الأعراب فقد ذمَّ كذلك
بعض أهل الأمصار، فليس كل أهل الأمصار محمودين، كما أنه ليس كل الأعراب مذمومين،
فأهل الحاضرة فيهم مذمومون أيضًا، لقوله تعالى: ﴿وَمِمَّنۡ حَوۡلَكُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ مُنَٰفِقُونَۖ وَمِنۡ أَهۡلِ
ٱلۡمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعۡلَمُهُمۡۖ نَحۡنُ نَعۡلَمُهُمۡۚ
سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيۡنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٖ﴾ والمراد بأهل المدينة: مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فما كل من سكن
المدينة يكون من الفضلاء، بل فيها من المنافقين أيضًا. فالبادية فيها خير وفيها
شر، والحاضرة كذلك، لكن العبرة بالجملة، فجملة الحاضرة أفضل من جملة البادية. وهذا
فيه ردٌّ على الخرافيِّين الذين يعتقدون أن مجرَّد السُّكنى في مكة والمدينة يُدخِلُ
في الجنَّة، وهذا غلط كبير؛ لأنَّ البقاع لا تقدِّس أحدًا، إنما الذي ينفع
الإنسانَ عملُه في أيِّ أرض كان، فأبو جهل وأبو لهب من سكان مكة، قال الشيخ ملا
عمران رحمه الله:
إنَّ المواطن لا
تقدس ساكنًا*** ولا تهديه إن لم يهتدِ
خرج النبي المصطفى
من مكة*** وبقي أبو جهل الشقي الأطرد
لكن إذا كان المرءُ مؤمنًا وسكن في الحرمين، وصلَّى في المسجدين فهذا لا شكَّ أنه حصل على فضيلة الصلاة في المسجدين، إلى جانب فضيلة السُّكنى في الحرمين مع ما عنده من الإيمان. أما مجرد الاعتقاد
الصفحة 1 / 417