ومما يوضِح ذلك:
أنّ كلَّ ما جاء من التشبُّه بهم إنما كان في صدر الهجرة، ثم نُسخ ذلك؛ لأن
اليهودَ إذ ذاك لا يتميزون عن المسلمين، لا في شعور ولا في لباس، لا بعلامة ولا
غيرها.ثم إنه ثبت بعد ذلك في الكتاب والسُّنة والإجماع الذي كمُل ظهوره في زمن عمر
بن الخطاب رضي الله عنه ما شرعه الله من مخالفة الكافرين، ومفارقتِهم في الشِّعار
والهدي. وسبب ذلك: أنَّ المخالفةَ لهم لا تكون إلاَّ مع ظهور الدِّين وعُلِّوه،
كالجهاد وإلزامِهم بالجزية والصَّغار، فلما كان المسلمون في أول الأمر ضُعفاء، لم
تُشرع المخالفةُ لهم، فلما كمُل الدِّين وظهر وعلا، شُرع ذلك.
***
قوله: «مما يوضح ذلك أن كل ما جاء من
التشبه بهم إنما كان في صدر الهجرة...» المقصود: أنَّ النبي صلى الله عليه
وسلم كان يُحب موافقة أهل الكتاب إلاَّ فيما أُمر بمخالفتهم فيه، ولذلك لـمَّـا
قدِم المدينة كان يوافقهم في بعض الأمور، ومن ذلك القِبلة، حيث كان يصلِّي إلى بيت
المقدس، ثم لما استقرّ في المدينة، ونزل تفاصيل الشريعة، عند ذلك أُمر بمخالفة أهل
الكتاب، ومِن ذلك مخالفتُهم في صوم يوم عاشوراء، بأن يزاد يومًا قبلَه.
قوله: «ثم إنه ثبت بعد ذلك في الكتاب والسنة والإجماع...» إلخ. المقصود: أنَّ الشريعة تكاملت قبل وفاته صلى الله عليه وسلم، واستقر هذا الأصل، أي: مخالفة غير المسلمين من اليهود والنصارى والأعاجم والجاهلية والأعراب، وغير ذلك من أمور المشابهات المنهي عنها، وظهر هذا غاية الظهور في خِلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيـث وضع شروطًا يقصد بها مخالفة أهل الكتاب.
الصفحة 1 / 417