هذا مِن
العِلم المشهور: أنَّ عمرو بن لُـحيّ هو أوّل من نَصَب الأنصاب حول البيت، ويقال:
إنَّه جلبها من البلقاء من أرض الشام مُتَشَبِّهًا بأهل البلقاء. وهو أول من سيَّب
السائبة، ووصل الوصيلة، وحمى الحامِي، فأخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّه رآه
يجرُّ قُصْبَه في النار، وهي الأمعاء، ومنه سمّي القصّاب بذلك لأنها تشبه القصبَ.
***
قوله: «هذا من العلم المشهور...» التشبّه بما فعله ابن لحي هو من أعظم التشبّه المنهي عنه، وذلك لأنه شرك، وكذا البناء على القبور، والاستغاثة بالأموات، فهذا كله من أشد أنواع المحرّمات. وفي هذا الكلام تحذير من أن لا ينخدع المسلم بأنظمة الكفار، وما هم عليه؛ لأنَّ ديننا - ولله الحمد - دين كامل، لا يحتاج إلى زيادة أو إنقاص، بل يحتاج إلى علم به وفهم، ومن ثم تطبيق له، فإذا نُفِّذ على علم وبصيرة، فإنَّه لا يضاهيه أي نظام أو شرع، حتى الشرائع السابقة لا تضاهيه؛ لأنَّه أكمل وأتم وأوفى منها، قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ﴾ [المائدة: 3]، فيجب على المسلمين أن يشكروا الله على هذه النعمة، وأن يحافظوا عليها، وألاَّ ينخدعوا بأنظمة الكفار وعاداتهم، فما رضيه الله لنا أحسن وأكمل، وفي قصة عمرو بن لحي تحذير من السفر إلى بلاد الكفار؛ لما في ذلك من خشية التأثّر بدينهم، وعليه فيجب الحذر من الذين يسافرون إليهم؛ لأنهم غالبًا لا يسلمون من التأثّر بهم والإعجاب بما هم عليه. وأما قوله في الحديث: «يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ» القصب: الأمعاء، وسمِّي الجزّار قصّابًا لأنه يستخرج الأمعاء، والأمعاءُ تشبه القصب.
الصفحة 1 / 417