ومعلوم أنَّ العرب قبله
كانوا على مِلّة أبيهم إبراهيمَ، على شريعة التوحيد والحنيفية السَّمحة، دِين
أبيهم إبراهيم، فتشبّهوا بعمرو بن لُـحيّ، وكان عظيم أهل مكة يومئذٍ؛ لأنَّ خزاعة
كانوا ولاة البيت قبل قريش، وكان سائر العرب متشبّهين بأهل مكة؛ لأنَّ فيها بيت
الله وإليها الحج، ما زالوا معظَّمين زمن إبراهيم عليه السلام، فتشبّه عمرو بمن
رآه في الشام، واستحسن بعقله ما كانوا عليه، ورأى أنَّ في تحريم ما حرَّمـه من
البَحيرةِ والسّائبةِ والوصيلة والحامي تعظيمًا لله ودينًا، فكان ما فعله أصل
الشرك في العرب، أهل دِين إبراهيمَ، وأصل تحريم الحلال، وإنما فعله متشبِّهًا فيه
بغيره من أهل الأرض، فلم يزل الأمر يتزايد ويتفاقم حتى غلب على أفضل الأرض الشرك
بالله عز وجل وتغيَّر دينـه الحنيف، إلى أن بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم،
فأحيا ملَّة إبراهيم عليه السلام، وأقام التوحيد، وحلَّل ما كانوا يحرِّمونه.
***
قوله: «ومعلوم أنَّ العرب قبله...» يعني: أنَّ العرب قبل عمرو بن لحي كانوا على دِين إبراهيم عليه السلام، على ملَّة التوحيد، إلى أن جاء هذا الظالم فغيّر دينهم، ونشر الوثنية، وحرَّم ما أحلَّ الله عز وجل فأطاعوه وانقادوا له؛ لأنَّه مَلِكُهم وكانوا معجبين به. ولذلك يجب على ولاة الأمور أن يتبصّروا بهذا الأمر، وأن يحموا رعاياهم وبلادهم من أن يُدخلوا عليها الأفكار الدخيلة والعادات السيئة التي تهدم ولا تبني، أما ما كان عند الكفار فيه مصلحة راجحة ولا ينافي ديننا فلا بأس به، وديننا يأمر بالأخذ به.