وقد صرَّح النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك فيما رواهُ أبو داود في «سُننِه» من حديث ابن وَهْب، أخبرني سعيدُ بنُ عبد الرحمنِ بنِ أبي العمياءِ، أنَّ سهْلَ بن أبي أمامةَ حدَّثهُ: أنَّه دخل هو وأبوه على أنسِ بنِ مالكٍ بالمدينة، فقال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقول: «لاَ تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدَّدَ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارِ ﴿وَرَهۡبَانِيَّةً ٱبۡتَدَعُوهَا مَا كَتَبۡنَٰهَا عَلَيۡهِمۡ﴾[الحديد: 27]. هذا الذي في رواية اللؤلُؤيِّ، عن أبي داود، وفي رواية ابن داسة عنه: أنَّه دخل هو وأبوه على أنس بن مالكٍ بالمدينة في زمان عمر بن عبد العزيز، وهو أمير المدينة، فإذا هو يُصلِّي صلاة خفيفة كأنَّها صلاة المسافِر، أو قريـبٌ منهـا، فلمَّا سلَّم، قال: يرحمُك الله، أرأيت هذه الصَّلاة المكتوبة، أمْ شيءٌ تنفَّلتهُ؟ قال: إنَّها للمكتُوبة، وإنها لصلاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لاَ تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدَّدَ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارَاتِ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ». ثُمَّ غَدَا مِنَ الْغَدِ فَقَالَ: «أَلاَ تَرْكَبُ ونَنظُرَ لِتَعْتَبِرَ؟» قَالَ: نَعَمْ، فَرَكِبَا جَمِيعًا فَإِذَا هُمْ بِدِيَارٍ بَادَ أَهْلُهَا وَانْقَضَوْا وَفَنُوا، خَاوِيَةٍ عَلَى عُرُوشِهَا، قَالَ: «أَتَعْرِفُ هَذِهِ الدِّيَارَ؟» فَقَالَ: مَا أَعْرَفَنِي بِهَا وَبِأَهْلِهَا، «هَؤلاَءِ أَهْلُ دِيَارٍ أَهْلَكَهُمُ الله بِبَغْيِهِمْ وَحَسَدِهِمْ، إِنَّ الْحَسَدَ يُطْفِئُ نُورَ الْحَسَنَاتِ، وَالْبَغْيُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ، وَالْعَيْنُ تَزْنِي، وَالْكَفُّ، وَالْقَدَمُ، وَالْجَسَدُ، وَاللِّسَانُ، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ ([1]).
الصفحة 1 / 417