×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثاني

وأيضًا فإنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وضع ديوان العَطاء كتب الناسَ على قَدْرَ أنسابهم، فبدأ بأقربهم فأقربهم نسبًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انقضت العربُ ذكر العجم. هكذا كان الديوان على عهد الخلفاء الراشدين، وسائر الخلفاء من بني أُمية وولدِ العباس إلى أن تغير الأمر بعد ذلك. وسبب هذا الفضل - والله أعلم - ما اختصوا به في عقولِهم وألسنتِهم وأخلاقِهم وأعمالِـهم، وذلك أنَّ الفضل: إما بالعلم النافع، وإما بالعمل الصالح. والعِلم له مبدأ وهو قوة العقل الذي هو الفهم والحفظ، وله تمام وهو قوة المنطق الذي هو البيان والعبارة.والعرب هم أفهم من غيرهم، وأحفظ وأقدر على البيان والعبارة، ولسانهم أتمُّ الألسنة بيانًا وتمييزًا للمعاني جمعًا وفرقًا، يجمعوا المعاني الكثيرة في اللفظ القليل. إذا شاء المتكلم الجمع جمع، ثم يميِّز بين كل شيئين مشتبهين بلفظ آخر مميز مختصر، كما نجده في لغتهم من جنس الحيوان، فإنهم مثلاً يعبِّرون عن القدر المشترك بين الحيوان بعبارات جامعة، ثم يميِّزون بين أنواعه في أسماء كل أمر من أموره: من الأصوات، والأولاد، والمساكن، والأطفال، إلى غير ذلك من خصائص اللسـان العربي التي لا يُستراب فيها.

***

يعني أنَّ فعل عمر حيث بدأ بجنس العرب يدلُّ على فضل العرب على العجم، ثم إنَّ العرب يتفاضلون، فمن كان أقرب إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فهو أفضل، وهذا من باب تنزيل الناس منازلهم. ثم مضى الأمر على السُّنة التي مشى عليها عمر رضي الله عنه في تقديم العرب على العجم، وتقديم أقارب الرسول صلى الله عليه وسلم على غيرهم إنزالاً للناس منازلهم،


الشرح