فالتفاخر بالشرف والنسب قد
سقط، فصارت نُعوت المؤمنين بَدَل القبائل، ومراتب الدين بَدَل شعوبها، فالانتماء
إلى الإيمان بما يحمل من مسمَّيات وأوصاف، والتشرُّف بها أفضل من الانتساب للآباء
والأحساب، على قاعدة ﴿إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ
ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ﴾ [الحجرات: 13].
وإنما وجهُ
النَّهي عن مُشابَهة الأعراب والأعاجم - مع ما ذكرناه من الفَضْل فيهم، وعدم
العبرة بالنَّسب والمكان - مبنيٌّ على أصلٍ، وذلك: أنَّ الله سبحانه وتعالى جعل
سُكنى القرى يقتضي من كمال الإنسان في العلم والدين ورقَّة القلوب ما لا يَقتضيه
سُكنى الباديةِ، كما أنَّ الباديةَ تُوجـبُ من صلابة البَدَنِ والخُلُق ومَتانةِ
الكلام ما لا يكون في القرى، هذا هو الأصل، وإن جـاز تخلُّف هذا المقتضى لمانعٍ،
وكـانت البادية أحيانًا أنفعَ من القُرى.
***
هذا عَوْد على ما سبق في ذِكْر أنَّ جنس أهل الحاضرة، أفضل من جنس أهل البادية، والسبب في ذلك أنَّ أهل البادية يغلب عليهم الجفاء وعدم العلم والغِلظة في الطباع، وأما أهل الحاضرة، فإنَّ الغالب عليهم العلم والهدوء والتَّربي على الخصال الطيبة، هذا من حيث الجملة. وقد تكون البادية أحسن من القرى لعارض سيئ يحصل في القرى كالفتن والتعرض لها، كما جاء في الحديث أنه قد يكون خير مال الإنسان غنمًا يرعاها في الجبال ويسلم دينه من الفتن. أما من حيث الأفراد، فربما يكون في البادية من هو أفضل كثيرًا ممَّن هو في الحاضرة، فكما أنَّ البادية فيهـا منافقون، فكذلك الحاضرة أيضًا فيها
الصفحة 1 / 417