وكذلك جَعَلَ اللهُ الرُّسلَ
من أهل القُرى، فقال تعالى: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن
قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰٓۗ﴾ [يوسف: 109] وذلك
لأنَّ الرُّسلَ لهم الكمالُ في عامّة الأمور، حتى في النَّسب.
***
منافقون، فالعبرة ليست بالوطن، وليست بالنَّسب
ولا باللغة، وإنما العبرة بصلاح القلوب واستقامة الأعمال، هذا هو المقصود من هذا
الأمر، ولهذا نُهي عن دعوى الجاهليـة، وعن التفاخر بالأحسـاب والأنساب، وإنما نُهي
عن ذلك لما فيه من الاعتزاء إلى غير الدين. وقد ذكر الشيخ أنَّ الأسماء منها ما هو
محمود: كالإيمان والإسلام، ومنها ما هو مذموم: كالكفر والنفاق والفسوق، لما تدلُّ
عليه هذه الأسماء من المعاني الحسنة أو السيئة.
الشيخ رحمه الله يقول: إنَّ الله جل وعلا لم يبعث نبيًا إلاَّ من أهل الحاضرة، وهذا مما يدل على فضل أهل الحاضرة على أهل البادية؛ لأنَّ ساكن الحاضرة في الغالب يكون مهذّبًا ومؤدبًا، وناشئًا على حُسن الخُلق والآداب الطيّبـة، فلذلك يبعث الله الرسل من القرى، قَال َ تَعَالَى: ﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰٓۗ﴾. والقُرى: جمع قَرية، وهي محل اجتماع الناس وسُكْناهم، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبۡعَثَ فِيٓ أُمِّهَا رَسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَاۚ﴾ [القصص: 59]، ﴿فِيٓ أُمِّهَا﴾ أي: في أمِّ القرى، ولهذا بُعث نبينا صلى الله عليه وسلم في مكة، وهي أمُّ القرى؛ لأنَّ القرى ترجع إليها، فالقرى - في الغالب - لا بدَّ أنَّ لها نظامًا، ولها إدارة ترجع إليها، وحاضرة القرى وقاعدتها