واللسان تُقارنه أمور أخرى من العلوم والأخلاق، فإنَّ العادات لها تأثير عظيم فيما يحبه الله وفيما يكرهه، فلهذا أيضًا جاءت الشريعة بلزوم عادات السّابقين الأولين في أقوالهم وأعمالهم، وكراهة الخروج عنها إلى غيرها من غير حاجة. فحاصِلُه: أنَّ النَّهي عن التشبُّه بهم إنما كان لما يفضي إليه من فوت الفضائل التي جعلها الله تعالى للسابقين الأولين، أو حصول النقائص التي كانت في غيرهم. ولهذا لـمّا علم المؤمنون من أبناء فارس وغيرهم هذا الأمر، أخذَ مَنْ وفّقه الله منهم نفسَه بالاجتهـاد في تحقيق المشابهـة بالسابقين، فصار أولئك من أفضل التابعين لهم بإحسان إلى يوم القيامة، وصار كثير منهم أئمةً لكثير من غيرهم. ولهذا كانوا يفضِّلون من الفرس من رأوه أقربَ إلى متابعة السّابقين، حتّى قال الأصمعي فيما رواه عنه أبو طاهر السِّلفي في كتاب «فضل الفرس»: عجم أصبهان قريشُ العجم. روى أيضًا السِّلفي بإسناد معروف عن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، عن أسامةَ بن زيد، عن سعيد بن المسيب رحمه الله قال: لو أني لم أكن من قريش لأحببت أن أكون من فارس، ثم أحببت أن أكون من أصبهان. وروي بإسناد آخر، عن سعيد بن المسيِّب، قال: لولا أني رجل من قريش لتمنيت أن أكون من أهل أصبهـان، لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كَانَ الدِّينُ مُعَلَّقًا بِالثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنْ فَارِسَ مِنْ أَبْنَاءِ الْعَجَمِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِهَا فَارِسَ، وَأَصْبَهَانَ» ([1]). وكان سلمان الفارسي من أهل أصبهان، وكذلك عِكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما، وغيرهما.
الصفحة 1 / 417