فإن آثار الإسلام كانت
بأصبهان أظهر منها بغيرها، حتى قال الحافظ عبد القادر الرهاوي: ما رأيتُ بلدًا بعد
بغداد أكثرَ حديثًا من أصبهان. وكان أئمة السُّنة علمًا وفقهًا، والعارفون بالحديث
وسائر الإسلام المحض فيهم أكثر من غيرهم، حتى إنه قيل: إنَّ قضاتهم كانوا من فقهاء
الحديث، مثل: صالح بن أحمد بن حنبل، ومثل أبي بكر بن أبي عاصم ومن بعدهم، وأنا لا
أعلم حالهم بأَخَرةٍ. وكذلك كل مكان أو شخص من أهل فارس يُمدح المدح الحقيقي، إنما
يُمدح لمشابهته السّابقين، حتى قد يُختلف في فضل شخصٍ على شخص، أو قولٍ على قول،
أو فِعلٍ على فِعل، لأجل اعتقاد كلٍ من المختلفين أنَّ هـذا أقـرب إلى طريق
السابقين الأولين، فإن الأمَّة مجمعة على هذه القاعدة، وهي فضل طريقة العرب
السّابقين، وأنَّ الفاضل من تبعهم، وهو المطلوب.
***
قوله: «واللسان تقارنه أمور أخرى من العلوم والأخلاق، فإن العادات...» المقصود: أنَّ المتأخرين يقتدون بالمتقدمين من السَّلف الصالح والأئمة؛ لأنهم على الهدى والحق والخير، ولا يتخلفون عنهم في عاداتهم وأخلاقهم، فإن فعلوا فهو نقص يلحقهم في دِينهم وفي دنياهم، ولهذا قَال َ تَعَالَى: ﴿وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰنٖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ﴾ [التوبة: 100]، ومعنى ﴿ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰنٖ﴾ [التوبة: 100] يعني: بإتقان، ومن اتِّباعهم بإحسان تعلُّم اللغة العربية التي هي لغتهم، والتي كانوا يتخاطبون ويكتبون ويؤلفون بها. فاللغة العربية هي سيِّدة اللغات؛ لأنَّ الله أنزل بها كتابه، وبعث بها رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، واللغة العربية في طبيعتها مـن أحسن اللغات وأفصحها بيانًا ووضوحًا وتعبيرًا.