قوله: «فحاصله أنَّ
النهي عن التشبه بهم إنما كان لما يفضي إليه من فوت الفضائل...» يعني: أنَّ
العِلَّة في النهي عن التشبُّه بالأعاجم والكفار والمشركين والجاهليين، أنَّ من
تشبَّه بهؤلاء تخلّق بأخلاقهم بلا شك، وهذا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ
تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» ([1]) بمعنى: أنَّه يكون
مثلهم بحسب ما تشبّه به، وبحسب ما أخذ من أخلاقهم، قد يكون أخذ أخذًا كثيرًا فصار
منهم خالصًا، أو يكون منهم في بعض الشيء دون بعض، وحاصل الأمر: أنَّ التشبه بغير
المسلمين نقص في كلِّ زمان ومكان.
قوله: «ولهذا لما علم المؤمنون من أبناء فارس وغيرهم هذا الأمر...» يعني أنَّ أبناء فارس لما علموا عظمة الإسلام وفضله صاروا يتسابقون في مشابهة السابقين في أخلاقهم وسيرهم، قال سبحانه: ﴿وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰنٖ﴾ [التوبة: 100].يعني: بإتقان، ومن الإحسان أن يأخذ المرء لغتهم وأخلاقهم، ولقد كان خلقهم القرآن، وقدوتهم صاحب الخلق العظيم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم أتباعه وتلاميذه والرواة عنه، وهؤلاء الذين اتبعوهم بإحسان وأتقنوا طريقتهم، رضي الله عنهم ورضوا عنه، سواء كانوا من العرب أو من العجم.والشاهد حاصل بما حصل من أئمة العلم وأئمة الجهاد من العجم أنفسهم، حين أخذوا هذا الدِّين أخذًا صحيحًا، وتعلموا هذه اللغة العربية وتخاطبوا بها، حينها فهموا بها كتاب الله وسنَّة رسوله وحازوا على هذا السبق وهذه الفضيلة. فليس معنى ﴿وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰنٖ﴾ مجرد الانتساب للسابقين الأولين فحسب، أو أن يقول: أنا سلفي، أنا أثري، لا بُدَّ أن يحسن اتِّباعهم والاقتداء بهم، ولا يُحسن هذا إلاَّ إذا اقتدى بما
([1])أخرجه: أبو داود رقم (4031)، وابن أبي شيبه رقم (33016)، والبزار رقم (2966).