×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثاني

هم عليه، ونهج نهجهم، أما إذا كان جاهلاً بما هم عليه من السيرة والسّريرة، فلن يستطيع أن يتّبعهم بإحسان.

قوله: «ولهذا كانوا يفضلون من الفرس...» أي: أنَّ معيار التفضيل إنما هو بمقدار متابعة السابقين، ولذلك إنما نال عجم أصبهان وغيرهم من العجم الفضل باقتدائهم بالسلف، وأخذهم لهذا الدين بلُغته الأصلية، حتى صار منهم الأئمة السابقون في العِلم والعمل والعبادة والزُّهـد والخير الكثير.

وقول سعيد بن المسيّب: «لو أني لم أكن من قريش لأحببت أن أكون من فارس...» هذا قول إمام من أئمة التابعين العرب القرشيين، قال هذا الكلام لأنَّ أصبهان نبغ فيها نوابغ من أهل العلم والعبادة والزُّهد، بسبب اتباعهم للسابقين الأولين بإحسان، فبما أنَّ قريشًا أفضل العرب، فإنَّ أهل أصبهان أفضل العجم، بسبب ماذا؟ بسبب اتباعهم للسابقين بإحسان. وقوله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ كَانَ الدِّينُ مُعَلَّقًا بِالثُّرَيَّا لَتَنَاوَلَهُ نَاسٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ...» مناسبة هذا الحديث أنه لما نزل قوله تعالى: ﴿هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّ‍ۧنَ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ ٢ وَءَاخَرِينَ مِنۡهُمۡ لَمَّا يَلۡحَقُواْ بِهِمۡۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ [الجمعة: 2- 3] سألوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم: من هم هؤلاء الآخرين الذين سيلحقون بهم؟ وكان عنده سلمان الفارسي رضي الله عنه، فأشار إليه وقال: «لَوْ كَانَ الدِّينُ مُعَلَّقًا بِالثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنَ أَهْلِ فَارِسَ»، فدلَّ على أنهم إنما خرجوا من الفارسية ومن العُجمة، ونالوا هذا الفضل بسبب اتِّباعهم لهذا القرآن، واتِّباعهم لهذا الرسول صلى الله عليه وسلم.


الشرح