ثم من
المعلوم: ما قد ابتُلي به كثير من هذه الأُمَّة من بناء المساجد على القبور،
واتخاذ القبور مساجـد بلا بناء، وكـلا الأمرين محرَّم، ملعون فاعلُه بالمستفيض من
السُّنَّة، وليس هـذا موضع استقصاء ما في ذلك مـن سائر الأحاديث والآثار، إذ الغرض
القاعدة الكلية. وإن كان تحريم ذلك قد ذكره غير واحد من علماء الطوائف، من أصحاب
مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، ولهذا كان السَّلف من الصحابة والتابعين يبالغون في
المنع مما يَـجُرُّ إلى مثل هذا. وفيه من الآثار ما لا يليق ذكره هنا، حتى روى أبو
يعلى الموصلي بسنده ([1]): حدثنا أبو بكر
بن أبي شيبة، حدثنا زيد بن الـحُباب، حدثنا جعفرُ بنُ إبراهيم - من وَلَدِ ذي
الـجَناحين - حدثنا عليُّ بنُ عمرَ، عن أبيه، عن عليِّ بن الحسين: أنّه رَأى رجلاً
يجيء عِندَ فُرْجَة كانت عِندَ قَبرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فيَدخُل فيها،
فيدْعو، فنهاه، فقال: ألاَّ أحدِّثكم حديثًا سمعتُه من أبي، عن جدِّي، عن النبيِّ
صلى الله عليه وسلم، قال: «لاَ تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا، وَلاَ بُيُوتَكُمْ
قُبُورًا، فَإِنَّ تَسْلِيمَكُمْ يَبْلُغُنِي أَيْنَمَا كُنْتُمْ». وأخرجه محمد بن
عبد الواحد المقدسي الحافظ في «مستخرجه».
***
قوله: «ثم من المعلوم ما قد ابتلي به كثير من هذه الأمّة من بناء المساجد على القبور...» يعني: أنَّ هناك أحاديث كثيرة في بيان حرمة اتخاذ القبور مساجد، وهو لم يستوفها رحمه الله ولم يستوف كلام أهل العلم في هذا الموضوع، وإنَّما اكتفى بالإشارة وقَدْر محل الشاهد، وهو
الصفحة 1 / 417