×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثاني

والغرضُ هنا: بيانُ ما جاءت به الحنيفيَّة من مُخالفة اليهود فيما أصابَهم مِن القَسْوةِ عن ذِكْر الله، وعمَّا أَنْزل من الهدى الذي به حياة القلوب، ومُخالفـة النَّصارى فيما هم عليـه مِن الرَّهبانيـة الـمُبتدعَة. وإن كان قد ابتُليَ بعضُ الـمُنْـتَسبين مِنَّا إلى عِلْمٍ أو دِين بنصيبٍ من هذا، ومن هذا ففيهم شبه بهؤلاء وهؤلاء. ومِثلُ هذا ما رواهُ ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ الْعَقَبَةِ، وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ: «الْقُطْ لِي حَصًى، فَلَقَطْتُ لَهُ سَبْعَ حَصَيَاتٍ، هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ، فَجَعَلَ يَنْفُضُهُنَّ فِي كَفِّهِ وَيَقُولُ: «أَمْثَالَ هَؤُلاَءِ فَارْمُوا»، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ». رواه أحمدُ والنَّسائيُّ وابن ماجه ([1])، من حديث عَوْف بن أبي جميلة، عن زياد بن حُصَيْن، عن أبي العالية، عَنْه، وهذا إسناد صحيح على شرْط مُسْلِم.

وقولُه: «إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ» عامٌّ في جميع أنواع الغُلوّ، في الاعتقادات والأعمال. والغُلوُّ، مجاوزة الحدّ، بأن يُزاد في حمد الشيء أو ذمِّه على ما يَسْتحق ونحو ذلك. والنَّصارى أكثر غُلوًّا في الاعتقادات والأعمال من سائر الطَّوائف، وإيَّاهم نَهى الله عن الغُلوِّ في القرآن في قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ [النساء: 171].

***

قوله: «والغرض هنا بيان ما جاءت به الحنيفيّة من مخالفة اليهود فيما أصابهم من القسوة...» أي: أننا منهيّون عن التشبُّه


الشرح

([1])أخرجه: النسائي في «الكبرى» (4551)، وابن ماجه رقم (3029)، وأحمد رقم (1851).