وكذلك صلاةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم التطوُّع، فإنَّه كان إذا صلَّى بالليل وحدَه طوَّل لنفسِه ما شاء، وكان يقرأُ في الرَّكعة بالبقرة وآل عمران والنِّساء، ويركع نحوًا مِن قيامِه، ويرفعُ نَحْوًا مِن ركوعِه، ويسجدُ نَحْوًا من قيامِه، ويجلس نَحْوًا من سجودِه. ثم هذا القِيام الَّذي وصفهُ أَنَسٌ وغيرُه بِالخفّة، والتَّخفيف الَّذي أمرَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم، قد فسَّره النبيُّ صلى الله عليه وسلم بفعِله وأمرِه، وبلَّغ ذلك أصحابه، فإنَه لـمَّا صلَّى على المِنبر، قال: «إِنَّمَا فعلت هَذَا لتأتموا بِي ولتعلموا صَلاَتي» ([1])، وقال لمالِك ابن الحويرث وصاحبِه: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ([2]). وذلك أنَّه ما مِن فِعْل في الغالِب، إلاَّ وقد يُسمَّى خفيفًا بالنِّسبة إلى ما هو أطْوَل مِنـه، ويُسمَّى طويلاً بالنِّسبة إلى ما هو أخفُ مِنه، فلا حدَّ له في اللُّغة، وليس الفِعْل في الصَّلاة من العادات، كالإحْـراز، والقَبْض، والاصطياد، وإحياء الموات، حتى يُرجعَ في حـدِّه إلى عُرْف اللَّفظ، بل هو من العبادات، والعبادات يُرجع في صفاتِها ومقاديرها إلى الشَّارع، كما يُرجع في أصْلِها إلى الشَّارع. ولأنَّه لـو جـاز الرُّجوع فيـه إلى عُرْفِ النَّاس في الفِعْل، أوفي مُسمَّى التَّخفيف، لاختلفت الصَّلاة الشَّرعية الرَّاتبة التي يُؤْمر بها في غالب الأوقات عند عدم المعارَضَات الـمُقتضية للطُّول أو القِصَر اختلافًا متباينًا لا ضبط له، ولكـان لكُلِّ أهل عَصْرٍ ومِصْر - بل لكُـلِّ أهلِ حيٍّ وسِكَّة، بل لأهـلِ كلِّ مسجد - عُرْف في معنى اللفظ وفي عـادة الفِعْل، مخالف لعُرْف
([1])أخرجه: البخاري رقم (917)، ومسلم رقم (544).
الصفحة 1 / 417