وروى مُسْلِمٌ في «صحيحه»
مـن حـديثِ جعفرِ بنِ سليمانَ، عن ثابتٍ، عن أَنَسٍ، قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ
صلى الله عليه وسلم يَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ مَعَ أُمِّهِ وَهُوَ فِي
الصَّلاَةِ، فَيَقْرَأُ بِالسُّورَةِ الْخَفِيفَةِ، أَوْ بِالسُّورَةِ الْقَصِيرَةِ»
([1]). فبيَّن أنَّ
التخفيف الذي كانَ يفعلُه صلى الله عليه وسلم هو تخفيفُ القراءة، وإن كان ذلك
يقتضي ركوعًا وسجودًا يناسبُ القِراءة، ولهذا قال: كانت صلاتُه متقاربة، أي: يقرُب
بعضُها من بعض، وصدقَ أَنَسٌ رضي الله عنه، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، كان
يقرأُ في الفجر بنحوِ السِّتين إلى المئة، يقرأُ في الركعتين بطوال الـمُفَصّل بـ ﴿الٓمٓ ١ تَنزِيلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَا رَيۡبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ [السجدة: 1- 2]،
و﴿هَلۡ أَتَىٰ﴾ [الإنسان: 1]، و ﴿وَٱلصَّٰٓفَّٰتِ﴾ [الصافات: 1]، و ﴿قٓۚ﴾ [ق: 1]
وربَّما قرأَ أحيانًا بما هو أطولُ من ذلك، وأحيانًا بما هو أَخَفّ، فأمَّا عمر
رضي الله عنه فكان يقرأُ في الفجر بيونس، وهود، ويوسف، ولعلَّهُ عَلِم أنَّ النَّاس
خَلْفه يُؤثرون ذلك.
***
قوله: «كَانَ رَسُولُ
اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ مَعَ أُمِّهِ...»
المقصود أنَّ صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم متناسبة إيجازًا مع إتمام في
كل الصلاة لا في بعضها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ربما يخفِّف لأمور عارضة،
كأن يسمع بكاء صبيّ، فيخفف رحمةً بأمِّه، وإشفاقًا على الطِفل.
وقوله: «وصدق أنس أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بنحو السِّتين...») يعني: كان يقرأ بالمفصَّل، فالصحابة حزّبوا القرآن أحزابًا في صلاتهم بالليل، وقراءتهم اليومية، والمقصود بالمفصّل: آخـر القرآن
الصفحة 1 / 417