فروى البخاريُّ في «صحيحه»
عن أبي الأسود، قال: بَعَثَ أَبُو مُوسَى إِلَى قُرَّاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ،
فَدَخَلَ عَلَيْهِ ثَلاَثُمِائَةِ رَجُلٍ قَدْ قَرَءُوا الْقُرْآنَ، فَقَالَ:
أَنْتُمْ خِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقُرَّاؤُهُمْ، فَاتْلُوهُ، وَلاَ يَطُولَنَّ
عَلَيْكُمُ الأَْمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ، كَمَا قَسَتْ قُلُوبُ مَنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ، وَإِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً، كُنَّا نُشَبِّهُهَا فِي الطُّولِ
وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةَ، فَأُنْسِيتُهَا، غَيْرَ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْهَا: لَوْ
كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ، لاَبْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا، وَلاَ
يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلاَّ التُّرَابُ، وَكُنَّا نَقْرَأُ سُورَةً، كُنَّا
نُشَبِّهُهَا بِإِحْدَى الْمُسَبِّحَاتِ، فَأُنْسِيتُهَا، غَيْرَ أَنِّي حَفِظْتُ
مِنْهَا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ،
فَتُكْتَبُ شَهَادَةً فِي أَعْنَاقِكُمْ، فَتُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ ([1]). فحذّر أبو موسى
القرَّاء أن يطول عليهم الأمَد فتقسو قُلوبُهم.
ثم لما كان نَقْضُ
الميثاق يدخلُ فيه نَقْضُ ما عُهد إليهم من الأمر والنَّهي، وتحريف الكلم عن
مواضِعه، وتبديل وتأويل كتاب الله، أخبر ابن مسعود رضي الله عنه بما يُشبه ذلك.
***
قوله: «بعث أبو موسى إلى قـرّاء أهل البصرة، فدخـل عليه ثلاث مئة رجل قـد قرؤوا القرآن...» أبو موسى الأشعري رضي الله عنه هو أحد السابقين الأولين إلى الإسلام، ومن المهاجرين، وله فضائل عظيمة، لا سيّما أنه من أهل القرآن، وقد كان حسن الصوت، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستمع لقراءته، وكان يأمره عمر أن يقرأ القرآن فيستمع هو والصحابة رضي الله عنهم أجمعين لتلاوته، وكان أبو موسى رضي الله عنه أميرًا على البصرة
الصفحة 1 / 417