وكان المسلمون على عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم وبعده
لا يعرفون وقت الحرب إلاَّ السكينة وذكر الله سبحانه، قال قيس بن عبادة - وهو من
كبار التابعين: كانوا يستحبُّون خفض الصوت عند الذِّكر وعند القتال وعند الجنائز.
وكذلك سائر الآثار تقتضي أنهم كانت عليهم السكينة في هذه المواطن، مع امتلاء
القلوب بذكر الله وإجلاله وإكرامه، كما أن حالهم في الصّلاة كذلك، وكان رفع الصّوت
في هذه المواطن الثلاثة عادة أهل الكتاب والأعاجم، ثم ابتلي بها كثير من هذه
الأمّة، وليس هذا موضع استقصاء.
***
حصَّلوا الحضارة
والمخترعات، والحقيقة أنهم لم يحصلوا ذلك إلاَّ بالجد والاجتهاد والطلب والاستمرار
في البحث، لا باللهو واللعب والأغاني والمزامير وتوافه الأمور.
قوله: «كان المسلمون على عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم وبعده لا يعرفون وقت الحرب إلاَّ السكينة...» يعني: أنَّ الصحابة كان يغلب عليهم السكينة، لا سيما في أوقات العبادات، وفي وقت الحرب، فالله جل وعلا يقول: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا لَقِيتُمۡ فِئَةٗ فَٱثۡبُتُواْ وَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيرٗا لَّعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ﴾ [الأنفال: 45]، فالذي يُستعمل عند لقاء العدو هو ذكر الله مع السكينة؛ لأنَّ هذا يدل على الشجاعة ورباطة الجأش، أما استخدام الطبول ورفع الأصوات، فإنما يدلان على الجبن، وإن كـان يُزعم أنَّه يرهب العدو فالمؤمن تملأ قلبه السكينة، لأنه يعلم أنَّ الله معه وناصره، قال الله عز وجل: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ لِيَزۡدَادُوٓاْ إِيمَٰنٗا مَّعَ إِيمَٰنِهِمۡۗ﴾ [الفتح: 4]، وهذا يكون في أيِّ موقف؟ في موقف الخوف، قال
الصفحة 1 / 417