وأيضًا ما رواه
مسلمٌ في «صحيحه» ([1]) عن جُندب بن عبد
الله البَجَليّ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ: «إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى اللهِ أَنْ يَكُونَ
لِي مِنْكُمْ خَلِيلٌ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدِ اتَّخَذَنِي خَلِيلاً كَمَا
اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً. وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلاً
لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً! ألا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا
يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ، ألا فَلاَ
تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ ! إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ».
***
هذا وجه آخر من وجوه التحذير من مشابهة أهل الكتاب، وهو الغلوُّ بالقبور والأموات، وذلك بالتَّبرك بها، وطلب الحوائج من الموتى، وإقامة البناء على القبور والكتابة على جدرانها، أو فعل أي شيء بها يدعو لتعظيمها والتعلّق بها، فإنَّ هذا من دِين القبوريين من أهل الكتاب وغيرهم، فإنَّ من جملة تحوّلاتهم عن دينهم الذي جاء به الأنبياء، ومن جملة تخريفاتهم وتغييراتهم وتبديلاتهم، أنهم غالوا في أنبيائهم وصالحيهم حتى عبدوهم من دون الله، وهم يزعمون أنهم بذلك يتقرّبون إلى الله، وأنَّ هؤلاء الأموات إنما هم شُفعاءَ لهم عند الله سبحانه وتعالى يتوسَّطون لهم لقضاء حوائجهم، وهم بذلك يكرّرون مقالة من سبقهم من قوم نوح، فإنهم أوَّلُ مَن غلا في الصالحين، وعمدوا إلى صور صالحيهم بعد موتهم ونصبوها، ثم لـمّا مرّت بهم السنون عبدوها من دون الله عز وجل وإنما حصل ذلك بتزيين الشيطان لهؤلاء المخدوعين باسم تعظيم الصالحين ومحبتهم والقرب منهم كما يزعمون، لقد زيَّن لهم
الصفحة 1 / 417