الشيطان ذلك بهذا الثوب، ثوب محبة الصالحين، حتى وقعوا في المحذور، فتعلّقت قلوبهم بهم، فاتخذوهم آلهة من دون الله، ولذلك نهى نبينا صلى الله عليه وسلم عن الغلوِّ بالأموات، والغلوِّ بالقبور؛ لأنَّ ذلك يفضي إلى الشِّرك، كما أفضى بمن كان قبلنا من الأمم وأقربهم زمنًا إلينا اليهود والنَّصارى. لأجل ذلك حذّر صلى الله عليه وسلم أمّته قبل وفاته ناصحًا ومشفقًا عليهم غاية التحذير من الغلوّ في القبور والصالحين، وبيّن خطورة ذلك، كما جاء في أحاديث كثيرة، وإنما أكّد على ذلك في لحظات حياته الأخيرة، لعلمه بخطورة هذا الأمر لا سيّما أنه مُحبِط للعمل، ولقد روى هذا الحديث جندب بن عبد الله رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام قبل خمس سنين، وقيل: خمس ليالٍ، يحذِّر فيه من مشابهة فعل اليهود والنَّصارى في قبور أنبيائهم، ومع هذا وُجد في هذه الأُمَّة من يتشبَّه باليهود والنَّصارى، وهذا من أقبح أنواع التشبُّه؛ لأنَّ هذا شرك بالله عز وجل أو وسيلة إلى الشِّرك، فلذلك حذَّر منه صلى الله عليه وسلم وهو في هذه الحالة، حيث كان يقاسي من سكرات الموت، ويضع يده في الماء وينضح به وجهه، ومع ذلك لم يشغله حاله عن مناصحة أمته فقال: «لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ فَلاَ تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ! فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ». ومعنى مساجد: أنهم يصلُّون عندها، فالمسجد: هو المكان الذي يُصلَّى فيه، مبنيًّا كان أو غـير مبني، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «وَجُعِلَتْ لِيَ الأَْرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» ([1]) أي: يُصلَّى
([1])أخرجه: البخاري رقم (438)، ومسلم رقم (521).