فيها، فهي مسجد بمعنى أنها صالحة للسجود والصلاة فيها، إلاَّ في هذه المواطن التي نهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها، وأشدُّها عند القبور؛ لأنَّ ذلك وسيلة إلى تعظيم القبور، والتعلّق بالأموات ودعائهم من دون الله عز وجل واتخاذهم شفعاء أو أولياء يقرِّبون إلى الله بزعمهم، وهذا ما أنكره الله على المشركين الأوَّلين، قَال َ تَعَالَى: ﴿وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡ وَيَقُولُونَ هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِۚ﴾ [يونس: 18]، وقَال َ تَعَالَى: ﴿وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ أَوۡلِيَآءَ مَا نَعۡبُدُهُمۡ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلۡفَىٰٓ﴾ [الزمر: 3]. فالمقصود: أنَّ الحامل لهم على عبادة هؤلاء الأموات زعمهم أنهم يقرّبونهم من الله، ويشفعون لهم عند الله، فالله أبطل هذا ونهى عنه، وبعث نبيَّه صلى الله عليه وسلم لينهاهم عن فعل ذلك ومقاتلة أهله حتى يتركـوه، وهـذا مما عظُمت به المصيبة في هذه الأُمَّة، فإن كثيرًا ممن ينتسبون إلى الإسلام، وقعوا فيما تخوَّفه الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته من الغلوِّ في الصالحين والأنبياء، حتى إنهم صاروا يصرفون لهم أنواعًا من العبادة، من الذَّبح والنَّذر والاستغاثة والدُّعاء، وغير ذلك مما نشاهده ونسمعه عند كثير من الأضرحة، ولا سيما الأضرحة المعروفة في مختلف البلاد، وهذا شيء مستفيض ومتواتر عمَّت به البلوى ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله. بل إنَّ أقوامًا من الجهلة يأتون بالمواشي يذبحونها للأضرحة، ويقيمون عندها أيامًا كثيرة بأعداد قد تضاهي عدد الحجاج إلى بيت الله الحرام؛ ومنهم من يقيم عند هذه القبور الموائد من الطعام وأنواع من الحلوى، وبعضهم يقيم طقوسًا متنوعة -عافانا الله من ذلك-