×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثاني

وعلى هذا ما في «الصَّحيحين» ([1])، عن أَنَس بن مالِك، قال: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَدْ غُفِرَ الله لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ؟! قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا، فَأنا أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ، فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». رواه البخاريُّ وهذا لَفْظُه. ورواه مُسْلم ([2])، ولَفْظه عن أَنَس أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَأَلُوا أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عَمَلِهِ فِي السِّرِّ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ آكُلُ اللَّحْمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا كَذَا وَكَذَا، لَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». والأحاديث الـمُوافِقة لهذا كثيرة في بيان أنَّ سُنَّته التي هي الاقتصاد في العبادة، وفي تَرْك الشَّهوات، خَيْر من رَهبانيّة النَّصارى التي هي تَرْكُ عامَّة الشَّهوات من النِّـكاح وغيرهِ، والغُلوُّ في العبادات صَوْمًا وصَلاة. وقد خَالفَ هذا بالتَّأويل ولعَدَمِ العِلْم طائفةٌ من الفُقهاء والعُبَّاد.ومِثلُ هذا ما رواهُ أبو داودَ في «سُننه» ([3])، عن العلاءِ بن عبد الرَّحمن، عن


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (5063)، ومسلم رقم (1401).

([2])أخرجه: مسلم رقم (1401).

([3])أخرجه: أبو داود رقم (2486)، والحاكم رقم (2398)، والبيهقي في «الشعب» رقم (3922).