القاسمِ بن عبد الرَّحمن، عن أبي أُمامة: أنَّ
رجُلاً قال: يا رسولَ الله، ائذنْ لي بالسِّياحةِ، قال رسولُ الله صلى الله عليه
وسلم: «إِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ»، فأخبرَ النبيُّ
صلى الله عليه وسلم بأنَّ أُمَّتهُ سِياحتُهم الجهادُ في سبيل الله. وفي حديثٍ
آخر: «إنَّ السِّياحة هي الصِّيام» و«السِّائحون» هم الصَّائمون، ونحو ذلك، وذلك
تَفْسير لما ذكرهُ الله تعالى في القرآنِ مِن قوله: ﴿ٱلسَّٰٓئِحُونَ﴾ [التوبة: 112] وقوله: ﴿سَٰٓئِحَٰتٖ﴾ [التحريم: 5]. وأمَّا السِّياحةُ التي هي الخُروج في
البريَّة من غيرِ مَقصِدٍ معيَّن فليست مِن عملِ هذه الأُمَّة، ولهذا قال الإمام
أحمد - رحمه الله: ليست السِّياحة مِن الإسلام في شيء، ولا مِن فِعْل النَّبيِّين
ولا الصَّالحين. مع أنَّ جماعةً مِن إخوانِنا قد ساحـوا السِّياحـة المنهيّ عنها
متأوِّلينَ في ذلك، أو غيرَ عالمِين بالنَّهي عنه، وهي مِن الرَهْبانيَّة
الـمُبتدَعَة، التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: «لاَ رَهْبَانِيَّةَ فِي
الإِْسْلاَمِ».
***
قوله: «جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم...» المقصود من هذا الحديث بروايتيه أنَّ النجاح والفوز وصحة العمل إنما تكون بالتزام هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأنَّ مخالفته - حتى وإن كان العمل في الظاهر خير - هلاك وضياع؛ لأنَّ النجاة بجعله أسوة وقدوة، ولذلك من زعم أن عمل الرسول قليل، وعلّل ذلك أنه مغفور له، وبالتالي فليس الرسول بحاجة إلى زيادة عمل وأنَّ غيره بحاجة إلى الزيادة في العمل؛ لأنه لم تضمن له المغفرة، هذا زعم وفهم خاطئ، فإنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على فعل الخير، وأسبقهم له، ولكن باعتدال ووسطيّة وبمداومة