وإتقان وإخلاص لله عز وجل. فليس العبرة
بصورة العمل، وإنما بحقيقته ونوعيته؛ لأنَّ الله لا يقبل العمل حتى يتوفّر فيه
الإخلاص لله عز وجل وأن يقتدي صاحبه بالنبي عليه الصلاة والسلام،
وهذا فعل أهل الصلاح والاستقامة والعلم، ولذلك من زعم أنه يأتي بخيرٍ مما جاء به الرسول
صلى الله عليه وسلم، فإنه يكون كافرًا، إلاَّ أن يكون فعل ذلك عن اجتهاد
مِنْه ورغبة في الخير، فيكون مخطئًا، فقوله صلى الله عليه وسلم: «فَلَيْسَ
مِنِّي» ليس معناه أنه كافر، ولكنَّ معناه: أنه ليس على طريقتي، أو يقال: إنه
من باب الوعيد، فيُمَر كما جاء، مع العلم بأن هذا لا يقتضي الكفر والخروج من
المِلَّة.
وقوله: «والأحاديث
الموافقة لهذا كثيرة في بيان سنّته التي هي الاقتصاد في العبادة...» يعني:
أنَّ سنّة النبي صلى الله عليه وسلم قائمة على الاعتدال، فليس فيها غُلوٌّ،
وليس فيها تساهُل يخرُج بالمسلم عن دائرة الدين والاعتدال والرفق بالنَّفس؛ فهي
مدعاةٌ إلى الاستمرار في العمل، بخلاف التساهل فإنه خروجٌ عن الطاعة، واتباعٌ
لشهوات النفس والهوى، والغلوّ خروج عما شرع الله، وذلك بإرهاق النفس والمشقة
عليها، حتى تترك العمل وتنقطع.
وقوله: «وقد خالف هذا بالتأويل ولعدم العلم طائفةٌ...» أي: أنَّ جماعة من هذه الأمة خالفوا منهج الاعتدال، إما للتأويل وهو: صرف النصوص عن ظاهرها، وإخراجها عن مدلولها، وإما بالتشدّد وظنّ أنَّ من فعل ذلك أكثر عبادة وأكثر أجرًا، فهم بين طرفين: إما مأوِّلة وإما متشدِّدةٌ خرجوا عن الطاعة بتشدُّدهم، والدِّين هو بين الأمرين فهو دين الاعتدال والوسطيّة.