وقوله: «إنَّ سياحة أمتي
الجهاد...» أي: أنَّ من الرهبانية التي حذّرنا منها الرسول صلى الله عليه وسلم
ما أحدثه النصارى من السياحة في الأرض والتي يقصدون بها العبادة، فيهيمونَ في
الأرض من باب العبادة والانقطاع لها، ولا يستقرّون في البيوت، ونحن نُهينا عن
التشبّه بهم في ذلك وفي غيره، وأما السياحة المذكورة في القرآن في قوله: ﴿ٱلسَّٰٓئِحُونَ
ٱلرَّٰكِعُونَ ٱلسَّٰجِدُونَ﴾ [التوبة: 112]، وقوله: ﴿عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا
خَيۡرٗا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَٰتٖ مُّؤۡمِنَٰتٖ قَٰنِتَٰتٖ تَٰٓئِبَٰتٍ عَٰبِدَٰتٖ سَٰٓئِحَٰتٖ﴾ [التحريم: 5]
فالسياحة المذكورة هنا المراد بها أحد أمرين: إما الجهاد في سبيل الله لقتال
الكفار ولإعلاء كلمة الله؛ لأنَّ هذا يحتاج إلى سفر، ويحتاج إلى خروج من البلاد
إلى بلاد العدو، فيصير معنى السياحة: الجهاد في سبيل الله.وإما أنَّ المراد بالسياحة:
الصِّيام لقوله تعالى: ﴿سَٰٓئِحَٰتٖ﴾ يعني: صائمات،
فالسِّياحة في الشرع، لا تخرج عن هذين المعنيين: إما الجهاد وإما الصيام. وأمَّا
السياحة لغير هذين الغرضين كأن تكون من باب التعبد، فإنها تكون بدعة ورهبانية، أما
السياحة التي لا يقصد بها التعبد، وإنما يقصد بها النزهة أو التوسع في الأرض، فهذه
تعد من المباحات وليست من العبادات، ولا تدخل في السياحة المنهي عنها إلاَّ إذا
ترتّب عليها ترك واجب أو فعل محرَّم.
وقوله: «مع أنَّ جماعة
من إخواننا قد ساحوا السياحة المنهي عنها...» يعني: مع أنَّ النبي صلى الله
عليه وسلم نهى عن هذه السياحة المبتدعة، فإنَّ قومًا من هذه الأمّة فعلوا ذلك
تشبّهًا بالرهبانية، ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم