وأيضًا فإنَّ الله تعالى لما
أنزلَ كتابَه باللسان العربي وجعل رسوله صلى الله عليه وسلم مبلِّغًا عنه الكتاب
والحكمة بلسانه العربي، وجعل السابقين إلى هذا الـدِّين متكلمين به، لم يكن سبيل
إلى ضبط هذا الدِّين ومعرفته إلاَّ بضبط هذا اللسان، وصارت معرفته من الدِّين،
وصار اعتياد التكلُّم به أسهلَ على أهل الدِّين في معرفة دين الله، وأقربَ إلى
إقامة شعائر الدِّين، وأقرب إلى مشابهتهم للسّابقين الأولين من المهاجرين والأنصار،
في جميع أمورِهم.
وسنذكر - إن شاء
الله - بعض ما قاله العلماء من الأمر بالخطاب العربي، وكراهة مداومة غيره لغير
حاجة.
***
قوله: «وأيضًا فإنَّ الله تعالى لما أنزل كتابه باللسان العربي...» من مزايا هذا الدِّين أنَّه حوَّل أهل الأرض عَربهم وعَجمهم إلى أمَّةٍ عظيمةٍ قاهرةٍ في الأرض، يخافهم من بالأقطار وذلك بسبب تمسكهم بهذا الدين، وبهذه الأخلاق العظيمة، فإذا ما تخلَّوا عنها أو عن بعضها حَصل لهم النقص. ثم إنَّ هذا الدِّين أنزله الله باللسان العربي، فلا بُدَّ أن يُؤدَّى به، ولذلك تعلَّم الأعاجم اللغة العربية، وصاروا من أئمتها، كسيبويه وغيره، فالواجب على الأعاجم تعلم اللغة، وأن لا يبقوا على عجمتهم إذا أسلموا فإن ذلك يعد نقصًا، فلا بُدَّ أن يتعلموا لغة القرآن، ولغة هذا الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى يفهموا هذا الدِّين فهمًا صحيحًا، ويقوموا به على أكمل وجه. ولذلك تجد ممن أسلم من الأعاجم ودرس العربية وفقهها أصبح من أئمة التفسير، وسائر علوم الشريعة، ولو أنهم بقوا على عُجميتهم لما حصلوا ما حصلوه من
الصفحة 1 / 417