وكانَ مُعاذُ رضي الله عنه
قد صلَّى خَلْفه العِشاء الآخِرة، ثم ذهب إلى بني عمرو بن عَوْف بقُباء، فقرأ فيها
بسورة البقرة، فأنكرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك، وقال: «أَفَتَّانٌ أَنْتَ
يَا مُعَاذُ؟ إِذَا أَمَمْتَ النَّاسَ فخفِّف، فَإِنَّ وَرَاءَكَ الْكَبِيرَ، وَالضَّعِيفَ،
وَذَا الْحَاجَةِ، هَلاَّ قَرَأْتَ بِـ ﴿سَبِّحِ
ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى﴾ [الأعلى: 1]، و﴿وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا﴾ [الشمس: 1]، ونحوِها مِن
السُّور؟» ([1]). فالتَّخفيف الذي
أمرَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم معاذًا، وغيرَه من الأئمَّة هو ما كان
يَفْعلُه - بأَبي هو وأُمِّي صلى الله عليه وسلم - فإنَّه كما قال أَنَس: كانَ
أخفَّ النَّاسِ صلاةً في تمام، وقد قال: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ([2]). ثم إنْ عَرضَ
حالٌ عُرِف منها إيثار المأمومين للزيادة على ذلك فَحَسَن، فإنَّه صلى الله عليه وسلم
قرأَ في المغرب بطُولَى الطُّوليين، وقرأ فيها بالطُّور. وإن عَرَضَ ما يَقْتضي
التَّخفيفَ عن ذلك فَعَل، كما قال في بُكاء الصَّبي ونحوِه. فقد تبيَّن أنَّ حديثَ
أَنَس تضمَّن مخالَفة مَن خفَّف الرُّكوع والسُّجود تخفيفًا كثيرًا، ومَن طوَّل
القِيام تطويلاً كثيرًا، وهذا الذي وصفه أنَس ووصَفَه سائر الصَّحابة.
***
قوله: «وكان معاذ رضي الله عنه قد صلّى خلفه العشاء الآخرة، ثم ذهب إلى بني عمرو بن عوف فقرأ بسورة البقرة...» معاذ كان حريصًا على أن يصلِّي خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، ثم يذهب ويصلي بقومه، حيث كان إمامًا لقومه، فأقرّه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، واستدلّ به العلماء على أنه يجوز للمفترض أن
([1])أخرجه: البخاري رقم (705)، ومسلم رقم (465).
الصفحة 1 / 417