ومنهم من حمل التطويل على ظاهره فأطال إطالة تشق
على المأمومين، وكل هذا من سوء الفهم، فسننه صلى الله عليه وسلم القولية
والفعلية لا تناقض فيها، وإنما يصدق بعضها بعضًا، ويفسر بعضها بعضًا. فالمراد
بالتخفيف: التخفيف مع الإتمام، وهو التخفيف الذي يرفع الحرج عن المأمومين ولا يخلّ
بالصلاة، والمراد بالتطويل: إتمام الصلاة مع عدم المشقة على المأمومين، وهذه هي
الصفة التي كان يفعلها صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يطيل الصلاة مع مراعاة
أحوال المأمومين، حتى أنه كان يدخل في الصلاة وهو يريد أن يطيلها، ثم يسمع بكاء
الصبي فيخفِّف الصلاة رحمة بأمّه.
وقوله: «وأما حديث أنس
المتقدم من قول النبي: لاَ تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ...» الشيخ رحمه
الله عاد مرّة أخرى ليبين مسألة مخالفة النصارى في رهبانيتهم، فإن النصارى
ابتدعوا التشدّد في العبادة، وترك الدنيا والتفرّغ للعبادة وملازمة الصوامع
والديارات. أما ديننا ولله الحمد لا تشدّد فيه ولا تساهل، وإنما هو دين الوسط
والاعتـدال، والنبي صلى الله عليه وسلم وهو خير قدوة لأمّته كان
يصلي وينام، ويصوم ويفطر، ويتزوج النساء ولا يتبتَّل كتبتل الرُّهبان، فأعطى النفس
حقهـا من الراحـة وما فطرها الله عليه، وأدى العبادة على وجهها، فجمع بين الأمرين:
بين التخفيف على النفس، وملازمة العبادة. والحاصل: أنَّنا نُهينا عن التشبُّه
بالنصارى في رهبانيتهم وتشديدهم على أنفسهم، فالتشبُّه بهم محرّم في هذا الأمر؛
لأنه زيادة على ما شرعه الله سبحانه وتعالى والزيادة على المشروع محرّمة وبدعة،
ولهذا قال سبحانه: ﴿وَرَهۡبَانِيَّةً
ٱبۡتَدَعُوهَا مَا كَتَبۡنَٰهَا عَلَيۡهِمۡ﴾ [الحديد: 27]