×
التعليق القويم على كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم الجزء الثاني

 أي: أن الله لم يشرعها لهم، وإنما هم ابتدعوها من أجل طلب رضوان الله، والنيّة وإن كانت صالحة فإنها لا تبرر فعل البدعة، فلا بدَّ للمسلم أن يلتزم ما شرعه الله ورسوله، ففي ذلك الخير والاعتدال والوصول إلى الهدف المقصود، ثم إن الرهبانية والتشدد يفضي بصاحبه إلى الانقطاع وترك العمل؛ لأنه بشر لا يطيق الاستمرار، ولهذا قال سبحانه: ﴿فَمَا رَعَوۡهَا حَقَّ رِعَايَتِهَاۖ [الحديد: 27]، وفي الحديث: «إِنَّ الْمُنْبَتَّ - يعني: الَّذي يكثر من السير، ويسرع فيه ولا يستريح أثناء السَّفر - لاَ أَرْضًا قَطَعَ وَلاَ ظَهْرًا أَبْقَى»، وكم رأينا من المتشدّدين الذين بالغوا في التشدّد كيف انتهى بهم الأمر: إما إلى الفتور وترك العمل وإما إلى الانحراف عن الدين، فلو أنهم أقلّوا العمل وأداموه لكان خيرًا لهم، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: «أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ» ([1])، فالإقلال من العمل مع إتقانه مدعاة إلى الاستمرار عليه، والإكثار منه والتشدد مَظنّة الانقطاع والترك.

وقوله: «وعلّل ذلك بأنَّ الذين شدّدوا على أنفسهم من النصارى شدّد الله عليهم...» عقوبة لهم، فالنصارى بسبب تشديدهم على أنفسهم آل الأمر بهم إلى الانقطاع وترك العمل، وإلى مفاسد عظيمة وقع فيها الرهبان، ولذلك قال الله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ لَيَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۗ وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ[التوبة: 34]،


الشرح

([1])أخرجه: البخاري رقم (6465)، ومسلم رقم (782).